د. أشرف الصباغ يكتب : عن الموقف الصيني في الحرب الروسية


في سنة 2008 تقريبا وقعت روسيا وإيران اتفاقية بتوريد 4 منظومات (إس 300)، وإيران دفعت الأموال المتفق عليها في العقد. وبعدين روسيا قعدت تماطل. وأيامها الرئيس دميتري ميدفيديف أعلن بأن موسكو لن تستطيع تنفيذ العقد بسبب العقوبات الدولية المفروضة على طهران. وبدأت معركة خفية بين روسيا وإيران لدرجة إن الأخيرة رفعت قضية ضد روسيا أمام المحاكم الدولية المختصة. وطبعا كانت علاقة روسيا بأمريكا معقولة أيامها. وعندما بدأت أزمة أوكرانيا عام 2013، وضم القرم في 2014، وفرض العقوبات الغربية على روسيا، بدأت تفاهمات جديدة بين موسكو وطهران. واتضح أن منظومات (إس 300) لم تكن ضمن الأسلحة المحظور توريدها لطهران. والغريب إن موسكو وطهران كانوا الاتنين عارفين إنها خارج قائمة العقوبات. 

المهم يعني إن خلال السنوات من 2008 إلى 2015، كانت روسيا أنتحت (إس 400) و(إس 500)، وأوقفت إنتاج (إس 300)، ومكانش ينفع ترجَّع الفلوس لإيران. فبدأت مماحكات جديدة وصممت إيران إنها تواصل القضية أمام المحاكم الدولية، لغاية ما حصل اتفاق ما بين البلدين على إن يتم توريد منظومات (أنتيي 2500) وهي منزومات من نفس الطراز لكنها أقل قدرة من منظومات (إس 300).

 طبعا إيران كانت في موقف لا تحسد عليه، والعقوبات مخلياها تسف التراب (سيبك من التصريحات العنترية لأن إيران خربانة عمليا من الداخل وموظفة كل مواردها للعسكرة)، وروسيا كانت بتشتغل لمصالحها حصرا. وفي كل الأحوال، روسيا عضو دائم في مجلس الأمن وعندها حق الفيتو اللي ممكن تتاجر بيه وتاجره مفروش وتساوم بيه الدول الأخرى، وعندها نووي وعندها خامات أهمها النفط والغاز والخشب، وعندها القمح.. يعني درجة الصلابة في مقاومة العقوبات لدى روسيا مختلفة تماما عنها لدى إيران. وبالتالي، كانت الأخيرة مسكينة ومغلوبة على أمرها ومعندهاش لا أصدقاء ولا حلفاء يستخدموا حق الفيتو ويحموها شويسة إلا روسيا، لأن الصين جبارة ومفترية وبتشتغل لحساب مصالحها بدون أي عواطف أو مشاعر وأحاسيس، وجبنة بقرش وقرش بجبنة... 

أنا ليه باحكي كل القصة الطويلة دي؟! باحكيها عشان موقف الصين من العقوبات المفروضة على روسيا من جهة، وما يتم تداوله من تحالف روسي صيني في مواجهة الغرب... الكلام دا عظيم طبعا، لكن فيه قدر كبير من التمنيات والتصوريات والأحلام. الصين بتعمل تصريحات حلوة جدا، وبتصيغ مواقف نظرية رائعة تبدو عنترية وفيها قدر من الجرأة اللي بتعجب العرب.. والطريف إن الروس والصينيين عارفين إيه اللي بيعجب العرب، وبيصيغوه في تصريحات فخمة وسخنة بتهيِّج العرب وتحسسهم إن القضية قضيتهم وإنهم لازم يروحوا يتطوعوا عشان يدافعوا عن روسيا والصين. 

في واقع الأمر، الأمور مختلفة تماما على الأرض، لأن روسيا والصين دول برجماتية تماما، وبتشتغل لتحقيق مصالحها حصرا، وبتعرف تلعب بالورق اللي في إيديها. وفي الموقف الحالي، موسكو وبكين فاهمين بعض كويس خالص، وعارفين إمكانيات بعض، وكل طرف بيحترم مصالح التاني مع الأطراف الأخرى. وآخر الصين هي التصريحات المحايدة، ومافيش مانع تضرب تصريحين سخنين عشان تسند بوتين أمام الرأي العام الروسي الداخلي، وتنبه أمريكا إلى إمكانية المساومة على أوراق وقضايا تخص بكين وواشنطن. يعني استمرار العلاقات التجارية مثلا بين الصين وروسيا، كلام معقول جدا، لكن علينا إننا نعرف التفاصيل، لأن ممكن التجارة تستمر، وبعدين نكتشف إنها بقت مقتصرة على شوية خامات خارج قائمة العقوبات الغربية. يعني عادي جدا إن الصين تستورد الحاجات دي من روسيا، أو تصدرها حاجات مماثلة من خارج قايمة العقوبات. عشان كده أنا حكيت حكاية إيران. مع العلم بإن طبعا فيه فرق كبير في الأحجام وفي الأوزان والقدرات بين إيران وروسيا... 

خلاصة الكلام إن الصين هاتفضل تعمل تصريحات محايدة، وتصيغ مواقف بينية موزونة جدا، ومافيش مانع إنها تضرب تصريحين سخنين برضه. لكن العبرة بما يتم على أرض الواقع... هو دا الموضوع...

تعليقات