لو قلت الآن لأحدهم أن ابن الزبال يحق له إن تفوق إن يصبح وكيلًا للنيابة ، لاتهمك بالجنون وإثارة البلبلة بل ربما تتسع دائرة التهم لتشمل " نشر أخبار كاذبة " وإشاعة الفوضى في البلاد ، فما قول وزير العدل هذا أو رئيس نادي القضاه ذاك ، أنا هناك خادمًا عبدًا مسلوب الإرادة والحرية بل وأحيانًا الكرامة ، تم سبيه من بلاد بعيدة وبيع وأشترى حتى وصل بلادنا ، وفي غفلة من الزمان صار حاكمًا آمرًا ناهيًا.
ينصب ويعزل وزراء ومساعدين مثلك تمامًا معالي الوزير ، بل وأنكى من ذلك صارت أراضي مصر وشطآنها ونيلها ومبانيها وآثارها ورجالها ونسائها ملكًا خالصًا له يتصرف فيها كيف يشاء ، تحت ظل نظامًا للإحتكار المحكم تم تفصيله خصيصًا لدولتنا العزيزة منذ مئات السنين.
ولا أدري لماذا الآن تستغربون وتتعجبون من عودة ذلك النظام أو غيره من جديد ، لا شيء تغير سوى بعض المسميات البسيطة ، فلما الإنزعاج وكل ذلك الرفض والإنكار من بعضهم ؟ إننا دولة يحكمها العبيد والغلمان مجهولي الهوية والنسب منذ غابر الأزمان ، أنا لا أتحدث عن العام ١٢٤٩ م والذي مات فيه آخر سلاطين بني أيوب الملك الصالح نجم الدين أيوب والذي أخفت زوجته " شجر الدر " نبأ موته عن عموم الشعب المسكين حتى أرسلت لابنه المدلل " توران شاه "، والذي كان غارقًا في بحور المتعة في الجزيرة الفراتية ، فجاء ومعه مماليكه وحاشيته المتعجرفة مثله تمامًا ، وبدأ ينصبهم في مناصب الدولة العليا.
بالطبع لم يعجب بهذا المماليك القدماء في مصر فائتمروا به وقتلوه ونصبوا عليهم " شجر الدر " في العام ١٢٥٠ م وبذلك تصبح أول حاكمة للمحروسة بعد " كيلوباترا السابعة " مما أثار حفيظة الخليفة العباسي " المستعصم بالله " والذي أرسل رسالة لأهل مصر يقول فيها : " إن لم يكن لديكم رجال ، أرسلنا لكم من عندنا " ثم ما لبث " هولاكو خان " بعد تلك الرسالة بأيام أن قتله شر قتلة ، ولم يستطع الرجل حتى حماية رقبته .
لكن الواهم من يعتقد أن هذا التاريخ هو بداية حكم العبيد لمصر فأصل الحكاية يرجع إلى أبعد من ذلك بكثير ففي العام ٨٧٧ م قرر " أبو العباس أحمد المعتمد على الله " الخليفة العباسي ، تعيين " أحمد بن طولون " التركي الأصل واليًا على مصر ، والغريب العجيب أن ما من والي ولي حكم مصر إلا وفكر بالاستقلال بها والاستحواز عليها وتعيين نفسه سلطانًا،
الوالي أحمد الذي عينه" سليم الأول " السلطان العثماني الفاتح ، في عام ١٥٢٢ م لم يسلم من تلك الفتنة وقد غرر به اليهود وأمدوه بالمال والعون حتى قتل ، نعم هو تاريخ مؤلم من الدم والخيانة وبيع الولاءات ، فالحكم هنا لمن غلب ، فإن صحوت من نومك مبكرًا فأنت سلطان لمصر ، وبدأ ابن طولون يعزز استقلاله بجيش مملوكي عرمرم من الترك من بني جلدته بالإضافة إلى بعض الديالمة ( إيرانيين الأصل ) ، نعم هم تنبهوا منذ القدم أن من يسيطر على الجيش هو الأحق بحكم تلك البلاد،
الآن فهمت تلك العبارة السخيفة التي كثيرًا ما أثارت حفيظتي
كلما ناقشت أحد مماليك العصر الحديث وقال لي صراحة " مصر ما ينفعش يحكمها غير عسكري " تلك العبارة تجعلني أتنطط وأخبط في الأرض بقدمي مثل القرد من شدة الغضب ، الآن فهمت يا مماليك ، ومنذ ذلك الحين فقد تغيرت عقيدة الجيش المصري وأصبح العنصر المتحكم فيها هو شراء الولاءات ، نعم فقد كان على الحاكم شراء القوة بتخصيص الأراضي والعقارات لقادة الفرق حتى يضمن عدم إنقلابهم عليه،
لم يبتعد محمد بن طغج الإخشيد مؤسس الدولة الإخشيدية في ٩٣٥ م ، عما ذهب إليه سابقه حتى قيل أنه كان ينام في حراسة ١٠٠٠ مملوك ، ومن سخرية القدر أن الإخشيد إشترى عبدًا حبشيًا بثمانية عشر دينارًا كانت مهمته الأساسية هي شراء أجود أنواع العطور وجعل مجلس الإخشيد ذو رائحة ذكية حتى لقب بأبو المسك كافور،
هذا الكافور أصبح رابع حكام الدولة الإخشيدية عام ٩٦٦ م ودام حكمه ٢٣ عام ، وكان مخصي وأسود اللون , ثم يأتي اليوم أحدهم ويقول إبن عامل النظافة لا يجوز له أن يكون وكيل نيابة ، بأي وجه وأي منطق ياهذا ، ألم تقرأ تاريخ بلادك قبل أن تتفوه بمثل تلك التخاريف،
ثم إن الفاطميين لما ركبوا على حكم مصر في ٩٦٩ م منذ عهد أبي تميم المعز لدين الله إعتمد على عناصر تركية وزنجية وبربرية بل وصقلية في حكم البلاد والعباد وعينهم في الوظائف العامة والقيادية في الدولة و كان لهم الأفضلية على غيرهم من العرقيات الأخرى ، ولما قفز الأيوبيون ( أكراد ) على حكم مصر عام ١١٧١ م والذين تربوا في أحضان الدولة السلجوكية التركية الأصل ظهر المماليك الأسدية والصلاحية والناصرية والعادلية ، والمهلبية اللولبية .
أيها السادة إن مصر لم تحكم يومًا من قبل أبنائها ، فلماذا هذا الإنزعاج الآن ؟ آه لقد فهمت ربما لأنكم تستشعرون الخطر وتقتربون رويدًا رويدًا من الإفلاس ، لا تقلقوا الحل بسيط ، بسيط جدًا " تخلصوا من المامليك " دمتم أحرار.
بالتوفيق والنجاح الدائم
ردحذفأشكرك ... تحياتي لسموك .
حذفمقال مميز كاتبنا القدير تسلم وتعيش
ردحذف