علي محمد علي يكتب : هنا القاهرة - شبه دولة المماليك


القاهرة عاصمة الخلافة العباسية، وعاصمة السلطنة المملوكية في ذات نفس الوقت ، أيوه زمبقولك كده  ، فبعد قتل التتار للمستعصم بالله آخر خلفاء العباسيين في بغداد ، ظلت الخلافة بلا خليفة لما يقرب من ثلاث سنوات ونصف تقريبًا ، حتى وصل المدعو " أحمد المستنصر بالله " في ظروف غامضة إلى القاهرة في شتاء عام 1261أثناء حكم السلطان الظاهر بيبرس وكان عمر المستنصر هذا وقتها يقارب ال 35عاما.

 ولا يعرف بالتحديد إن كان هذا المستنصر قد أتى ضمن مجموعة من عرب الحجاز الذين كانوا ينزحون إلى مصر بحثًا عن رغد العيش ضمن سلسة من هجمات النزوح الشرسة للعربان والتي كانت تتسم بالعنف والسطو والقلاقل التي كانوا يفعلونها أثناء تلك الفترة التي اتسمت بعدم الاستقرار في شبه الجزيرة العربية.

قيل إيضًا في مجيئ المستنصر إلى مصر ، أنه جاء بناء على طلب من سلطان مصر الظاهر بيبرس ، وهنا يجب أن نتوقف قليلًا ، فبيبرس البندقداري كان سلطانًا قويًا ، حتى أن بعض المؤرخيين يعتبرونه سلطان المماليك البحرية الأول ، رغم شهرة سابقه " سيف الدين قطز " والدور العظيم الذي أداه في منازلة التتار وموقعة " عين جالوت " الشهيرة  _ وإن كان لي بعض التحفظ على تلك البروباجنده " المصاحبة لتلك المعركة الشهيرة " حيث أن المواجهة لم تكن مع جحافل التتار كما يدعون  ، بل قل مع فلول التتار وبقايا جيوشهم في منطقة الشام ، لأن " هولاكو "  في ذلك التوقيت إضطر للعودة إلى بلاده بعد قطع إبن عمه " بركة خان " طرق الإمداد عليه وعلى جيشه عقابًا له على مافعله بالخلافة العباسية في بغداد وبالإسلام رغم تحذيرات " بركة خان " ذو الميول الإسلامية له من عاقبة ذلك.
نعود لسبب وقفتنا عند تلك الواقعة ، إن سلطان المماليك يعلم جيدًا أنه " مملوك " وأنهم كانوا جميعًا بالأمس القريب مجرد خدم وعبيد لأسيادهم الأيوبيين ، ودائمًا وأبدًا فإن سيكولوجية العبيد لا ولن تتغير فهم دائمًا يسعون إلى إيجاد " شرعية " وإن كانت صورية ، فالعبد في قرارة نفسه يعرف أنه " عبد ذليل " حتى لو أصبح سلطانًا في غفلة من الزمان ، لذا وبمجرد وصول المستنصر عقد له بيبرس مجلسًا جمع فيه كبار المشايخ والعلماء والذي كان من بينهم " عز الدين بن عبد السلام " شيخ الشافعية ، وأيضًا قاضي قضاة مصر " تاج الدين ابن بنت الأعز " والذي أثبت نسب المستنصر ، ولا أحد يعلم كيف إلا هو.

  بايع السلطان الظاهر بالخلافة ، وسرعان ماجهز له جيشًا وخرج الخليفة والسلطان إلى بلاد الشام وهناك قام السلطان بوضع اللمسات الآخيرة على تجهيز الجيش الذى ولى الخليفة المستنصر على قيادته وكان هدف ذلك الجيش هو استعادة بغداد من يد التتار ، وسرعان ما علم التتار بقدوم جيش المستنصر حتى خرجوا عليه قبل وصوله إلى بغداد وأبادوه عن ظهر قلب ، ومن يومها إلى الآن لا أحد يعرف أين إختفى الخليفة المستنصر " خليفة المؤمنين " والذي لم يمكث في الخلافة غير بضع شهور ، وكأن لسان حاله يقول " أموت وأعرف مين إللي شار عليا الشورى الطين دي " رحم الله المستنصر والذي راح ضحية أطماع السلطان وليس رغبة في الخلافة .

لقد أعاد المماليك إحياء الخلافة العباسية في مصر بعد زوال شمسها في بغداد ، لكنها كانت صورية وفقط لاضفاء الشرعية والدعم الروحي مما يجعل حكمهم مهيب الجانب وأقرب إلى القداسة ، والغريب العجيب أن هذا العرف صار مستمرًا حتى بعد زوال دولة المماليك وقتل  " طومان باي "  آخر السلاطين المملوكيين في العام 1417.

حيث أسر " سليم الأول " سلطان العثمانلية " المتوكل على الله الثالث " آخر خلفاء بني العباس ، وأمر بنقله إلى اسطنبول وأوصى بأن تؤول الخلافة بعد موته إلى السلطان العثماني وكان معه " سيف الرسول وبردته " ولما مات المتوكل في 1543 انتقلت الخلافة إلى أبناء عثمان وظلت فيهم حتى العام 1924.

وبصرف النظر عن رحلة البحث عن الشرعية عبر التاريخ ، وأن من لايملك أعطى ووهب ومنح من لا يستحق فإن عهد المماليك يعد بمثابة بداية الانحطاط في تاريخ الحضارة الإسلامية ، فكل شيء كان " كأن " فالسلطان كان عبد لكن كأنه سلطان ، والخليفة كان مجهول النسب لكنه كان كأنه " خليفة " وحتى الدولة لم تكن دوله ولكنها كانت " شبه دولة " أو لنقل كنوع من التمويه والخداع اللغوي " شبه سلطنة " ونحن بدورنا " شبه شعب " فمتى ؟؟ متى نستفيق من الوهم والخداع؟.

ختام

هذا المقال إهداء إلى ابنتي الحبيبة " نورڤانا "

تعليقات

إرسال تعليق

أترك تعليق