قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك
خد بنصرى نصرى دين واجب عليك
يوم ما سعدى راح هدر قدام عينيك
عد لى مجدى اللى ضيعته بأيديك
شوف جدودك فى قبورهم ليل نهار
من جمودك كل عضمة بتستجار
صون أثارك ياللى دنست الاثار
دول فاتولك مجد و أنت فوت عار
شوفت اى بلاد يا مصرى فى الجمال
تيجى زى بلادك اللى ترابها مال
نيلها جى السعد منه حلال زلال
أيضًا الرائع ... بديع خيري
في العام ١٨٣٢ م لم تنسى فرنسا حلمها بشق قناة تربط بين البحرين فأرسلت وفدًا من خيرة مهندسيها ، واستطاعوا الحصول على إذن من رجل الدولة المحنك " محمد علي " بالذهاب إلى الموقع من جديد وتأكدوا أن " لوبير " مهندس " نابليون " قد أخطأ في الحساب ، وأثبتوا أن مستوى المياه في البحرين واحد ، لكن " محمد علي " وافق على الحفر بشرطين في منتهى الحنكة والذكاء ، رغم كونه لم يكن مصريًا لكن ولائه كان مصريًا ، بعكس مصري اليوم والذي ليس لديه ولاء إلا للأعداء ، نعود لشرطي " علي " أما الأول : أن تضمن القوى العظمى حيادية القناة وبالتالي الاعتراف الضمني باستقلال مصر ، وأما الثاني - وأرجوك انتبه جيدًا له - أن تمول القناة بالكامل من أموال وخزينة مصر ، وبالتأكيد قوبلت الشروط بالرفض .
مات نابليون ومات محمد علي وساءت أحوال فرنسا الاقتصادية ، لكن الفكرة لم تسقط من عقل " فردناند دي ليسبس " والذي جمع عائلته واستقل سفينة عائدًا إلى مصر ، بلد الخير والرخاء والتي لا تسوء أبدًا أحوالها الإقتصادية ، ولا تنقطع خيراتها ولا تمنع ، ووصل في ٧ نوفمبر ١٨٥٤ م وقابل صديقه الذي أصبح خديوي على مصر في ١١ من نفس الشهر ، وسرعان ما عرض عليه مشروع القناة ، وهنا تبرز على السطح أهمية " المكرونة " التي كان يهربها دي ليسبس لصديقه بعد منع " محمد علي " ابنه من أكلها لأنها تسبب البدانة , وتقدر تقول كده كان بيعتبرها " أندومي " ليس لها فائدة ، لكن المشكلة أن الابن " سعيد باشا " كان " طفس " وهمه على بطنه ، فاستغل ذلك " دي ليسبس " وعقد أظلم وأجحف بل وأحقر الصفقات في تاريخ مصر ،
منح والي مصر الخديوي " محمد سعيد باشا " في عام ١٨٥٦ م للمهندس الفرنسي " فردناند دي ليسبس " إمتيازًا بحفر قناة السويس البحرية وتشغيلها لمدة ٩٩ عام تبدأ من تاريخ إفتتاح القناة للملاحة البحرية على أن يكون نصيب مصر من الأرباح ١٥ ٪ , وسرعان ما شرع " دي ليسبس " في إنشاء الشركة العالمية لقناة السويس البحرية برأسمال 200 مليون فرنك فرنسي موزعة على 400 ألف سهم قيمة السهم الواحد 500 فرنك، وطرحت أسهم الشركة في الأسواق الدولية في نوفمبر 1858، واكتتب الفرنسيون بنحو 207,111 سهم ما يعادل نصف الأسهم فيما اكتتب الخديوي بنحو 177,642 سهم وتوزعت باقي الأسهم المكتتبة في الأسواق الدولية
وضع دي ليسبس وحده بل ومنفردًا لائحة العمال بعد أن حاز على توقيع الخديوي سعيد عليها ، والتي ضمنت لشركة قناة السويس البحرية (الفرنسية في ذلك الوقت) الموارد البشرية الهائلة من خلال تعبئة المصريين لحفر القناة، وجاءت المادة الأولى من اللائحة لتنص على أن تقدم الحكومة المصرية العمال للشركة طبقاً للطلبات التي يتقدم بها كبير مهندسي الشركة ( فوازان بك ) وطبقاً لاحتياجات العمل، وحددت المادة الثانية أجور العمال التي تراوحت ما بين قرش ونصف القرش وثلاثة قروش في اليوم، وإذا كان العامل دون الثانية عشرة من عمره يتقاضى قرشاً واحداً في اليوم ،- هل لا حظت شيئًا ؟ - الشركة العالمية استعانت بالأطفال المصريين ، ولم ترحم ضعفهم ! ، ونستطيع الآن بالوثائق والمستندات مقاضاة فرنسا لاستخدامها أطفال مصر في ظروف غير آدمية واستغلالهم حتى الموت . صحيح التزمت الشركة بتقديم الخبز المقدد إلى كل عامل بصرف النظر عن عمره ، ونصت اللائحة على فرض عقوبات على العمال الهاربين من الحفر ، فالعامل المهمل يخصم من أجره بما يتناسب مع مقدار إهماله، أما العامل الذي يهرب فيفقد أجر الخمسة عشر يوماً المحفوظة بخزينة الشركة، ونصت اللائحة أيضاً على عمل مستشفى ميداني بمنطقة الحفر ومراكز للإسعاف مزودة بالأدوية ، لكن معاناة العمال
بدأت من خلال نقض الشركةلوعدها بحفر قناة ماء عذب لمد العمال بمياه الشرب مما أدى للتضحية بآلاف العمال الذين أنهكتهم شدة العطش والانهيارات الرملية. ثم توالى سقوط الآلاف بسبب انتشار الأوبئة ، كما خالفت الشركة وعدها بتوفير وسائل متطورة في الحفر وأكره العمال على العمل في ظروف قاسية معتمدين فقط على سواعدهم وعلى الفأس والقفة
شهدت سنوات الحفر الأولى للقناة أكبر عملية حشد للعمال بلغت عام ١٨٦٢ م مابين 20 ألف و22 ألف عامل يساقون لساحات الحفر في الشهر الواحد، قادمين من الوجهين القبلي والبحري، وكثر تمرد العمال وهروبهم وأظهر عمال الوجه القبلي تحدياً سافراً للشركة مما اضطر الشركة للاستعانة بالشرطة لإخماد تمرد العمال ومطاردتهم وتعذيبهم ، وقد كشفت التقارير الطبية والمحفوظة في مكتبة الإسكندرية أن أكثر الأمراض التي إنتشرت بين العمال هي النزلات الشعبية والأمراض الصدرية وحالات الاسهال الشديد والدوسنتاريا والجدري والكوليرا لدرجة أن الشركة لم تجد رجالاً يرفعون جثث الموتى الذين كان يتم دفنهم في الصحراء، وتلاها ظهور مأساة تعرض العمال خلال الحفر لمادة طينية سائلة كانت تحتوي على مادة الفسفور الحارق مما أدى إلى إصابة الآلاف بالأمراض الغامضة التي أدت إلى وفاتهم على الفور .
ومات من مات ، وما أكثر من مات حتى الخديوي سعيد نفسه مات ، وتولى بعده الخديوي " اسماعيل " الذي قرر افتتاح القناة في ١٧ نوفمبر ١٨٦٩ م ، أي بعد ١٠ سنوات من قتل المصريين في الحفر واختلاط دمائهم بالماء المالح ، وقد دعا اسماعيل ملوك وأمراء أوربا - وعلى رأسهم - الإمبراطورة " أوجيني " الجميلة الجذابة زوجة " نابليون الثالث " والتي قالت بعد إنتهاء الحفل الإسطوري : ما رأيت أروع من هذا الحفل الشرقي العظيم في حياتي , وعلى الرغم من إغراق البلاد في الديون ، فقد كان لإسماعيل رؤية توسعية مما جعلت حلفاء الأمس يضغطون لخلعه وعزله عن الحكم وتوليه ابنه توفيق بدلًا منه ، بعد أن تعرضت البلاد بعد افتتاح القناة ب ٦ سنوات لأزمة مالية طاحنة ، مما أضطر إسماعيل لبيع حصة مصر في القناة لبريطانيا بمبلغ ١٠٠ مليون فرنك في ٢٥ نوفمبر ١٨٧٥ م ولكن لم يف بيع مصر لحصتها في القناة بالديون مما أضطرها لبيع حصتها من الأرباح أيضًا نظير مبلغ ٢٢ مليون فرنك ، وهكذا خسرت مصر دم أبنائها وحقها في القناة في ظرف " ست سنوات " بصوت " السادات "
وها نحن وبعد مرور ما يقارب مائة وخمسون عام ، لم نتعلم من دروس التاريخ ونعرض للمرة الثانية شرفنا وعرضنا ودم أبنائنا للبيع بسبب الديون المبالغ فيها والغير مبررة تمامًا كما فعل " إسماعيل " وحتى لو بيعت القناة ، وبيعت بعض الجزر ، وبيعت حصتنا في غاز المتوسط ، وبيعت شبه جزيرة سيناء ، وبيعت نساء مصر كما بيع أطفالها في حفر القناة ، فلن تفي بسداد الديون ، أتدرون لماذا ؟ لأننا لم نستفد من تلك الديون ولم نبني بها مصانع لإنتاج سلع ، ولا مدارس لإنتاج عقول ، وإنما سكتنا واكتفينا بانفاقها في ذلك الأسفلت اللعين أسود القلب ، وتلك الكباري العجيبة التي تلف حول نفسها ، وتلك الأطنان من الخراسانات التي سقطت في قاع الصحراء ، كل ذلك من أجل إرضاء الخديوي الجديد ، الذي يدعي أنه يملك رؤية ، والتاريخ يقول أنه يجب أن يعزل الآن .
شابوه ليك بجد
ردحذفأشكرك من قلبي ... تحياتي يا أفندم .
حذف