شد الحزام على وسطك غيره مايفيدك
لابد عن يوم برضه ويعدلها سيدك
إن كان شيل الحمول على ظهرك يكيدك
أهون عليك ياحر من مدت إيدك
........
العاشق ... بديع خيري
إن كنت من المعتقدين أن قناة السويس سميت بهذا الاسم نسبة إلى مدينة السويس والذي بدأ الحفر فعليًا من عندها عام 1859 م ، فأنت من المخطئين مثلي تمامًا منذ عشرين عامًا ، قبل اهتمامي بقناة السويس حينما سألت أحد أصدقائي - أثناء خطاب لحسني مبارك - : أين يذهب دخل قناة السويس ؟ فأجاب صديقي : إنه المصروف الشخصي لجمال وعلاء مبارك ، فابتسمت بمرارة ، وقررت البحث ، فوجدت أن الاسم جاء من " برزخ السويس " الذي يقع في البحر المتوسط ويبعد عن مدينة " بور سعيد " حوالي ١٢١ كم وقد إختاره " فرديناند دي ليسبس " ليكون بداية للقناة من ناحية الشمال ، كما بكيت مرات عديدة عندما علمت أن ١٢٠ ألف روح من أرواح أجدادي العظماء راحت ضريبة غالية في حفر القناة على مدار ١٠ سنوات ، كانت كل مدن وقرى ونجوع مصر تقطر دمًا ، راحت أرواحهم الطاهرة الطيبة غدرًا وطمعًا وجشعًا وإهمالًا وعطشًا وجوعًا وبردًا وعريًا .
ثم تتوالى المصائب على مصر بعد حفر القناة وافتتاحها بست سنوات وفي العام ١٨٧٥ م تتعرض البلاد لأزمة مالية حادة أو قل " تفليسة " كبيرة ، وبغض النظر عن تعمد الدول الكبرى إحداثها من عدمه وذلك لما رأوا أن " إسماعيل " يسير على خطى جده "محمد علي " في مشروعه التوسعي ، وبالفعل نجحوا في عزله وتولية ابنه " توفيق " بدلًا منه ، وتلك ليست مشكلتنا الآن ، بعدها بسبع سنوات إحتلت إنجلترا مصر في عام ١٨٨٢ م ، وهكذا فإني أرى أن قناة السويس كانت سببًا مباشرًا في إحتلال الإنجليز لمصر بعد أن نبهتها فرنسا لأهمية موقع مصر الجغرافي ، ولأنها كانت تريد تأمين بضائعها التي تصل إليها من مستعمراتها ، فقد كانت تمثل نحو ٧٨ ٪ من إجمالي البضائع التي تعبر قناة السويس ، ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى ، فالثانية ، مرورًا بمحاولة فرنسا تمديد حق الامتياز لخمسين عام أخرى لكنها فشلت هذه المرة .
ثم يأتي العام ١٩٥٦ م وفي يوليو يعلن الرئيس " جمال عبد الناصر " تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية وتحويلها إلى شركة مساهمة مصرية ، وذلك قبل إنتهاء أجل الامتياز بنحو ١٣ عام تقريبًا ، كان الجنرال قد أضطر لذلك لتمويل السد العالي الذي رفض البنك الدولي تمويله ، فأعلنت إنجلترا وفرنسا ومعهم أمريكا وبعض الدول الأوروبية حربًا إقتصادية ضارية على مصر تمثلت في تجميد أموال مصر لديها والتي فاقت وتخطت بمراحل القيمة السوقية لشركة قناة السويس نفسها ، يكفي أن أخبرك أن إنجلترا وحدها كانت مدينة إلى مصر جراء الحرب العالمية الثانية بما يعادل ١٣٥ مليون جنيه إسترليني ، وبلغت أموال مصر التي جمدتها أمريكا حين ذاك ما يعادل ٤٣ مليون دولار أمريكي ، وبذلك كانت فرصة عظيمة لكل الدول التي كانت لمصر لديها أرصدة أو حسابات ، " وعليه العوض يا صابر " أقصد يا جمال .
لم تكنفي إنجلترا وفرنسا بذلك بل أرسلوا بلطجي المنطقة الجديد والذي زرعوه لمثل تلك الظروف ، فهجمت إسرائيل على مدن القناة ، بالتزامن مع هجوم إنجلترا وفرنسا على مدينتي الاسكندرية والقاهرة بالطائرات ، وبدأت المواجهات العسكرية ، ثم تم تركيز الضربات على مدن القناة ، مما تسبب في تهجير أهل مدن القناة ، بعد موت أكثرهم في حرب غير متكافئة ، فطائرات وأسلحة حديثة مقابل مقاومة شعبية ، استشهد الرجال البواسل الشجعان ، ورحلت النساء والأطفال إلى مدن الدلتا ، وكانت فرصة عظيمة لفحول وذكور الدلتا من الزواج للمرة الثانية وأحيانًا للمرة الثالثة والرابعة على نسائهم الفلاحات ، فهؤلاء نساء جميلات بلا رجال والزواج منهن سترة ووجاء ، هكذا لم ترحم القناة ضعف أهلها ، وأصابتهم لعنتها ، فطوبى لشهداء العرض والأرض من رجال السويس ورجال بور سعيد والاسماعيلية ، ولكني أعرف نساء حتى بعد زواجهن من فحول الدلتا أخذهن الحنين لأرض القناة وذكريات الماضي الجميل ، فعدن إلى حيث أتين .
ثم يموت نصف جيشنا في سيناء أثناء إنسحابه في عام ١٩٦٧ م والتي لن أطلق عليها حربًا ، فجيشنا لم يحارب ، وإنما إمتثل لأمر جنرال مخمور يلهو بأفخاذ المطربات ، ثم بنت إسرائيل على الشاطئ الشرقي للقناة مانعًا عظيمًا من الحجارة والتراب والخراسانة واستغلت القناة كمانع مائي آخر وأثخنته بمواسير من لهب تدعى * نابالم " وعادت القناة من جديد كأعظم اللعنات التي حلت بأرض مصر ، ثم يأتي النصر على يد السادات - نعم أقصد السادات بعينه - فنحن قومٍ إذا انهزمنا ننسب الهزيمة للشعب ، وإذا انتصرنا ننسب النصر للرئيس ، ولعل إختزال سلاح الطيران بأكمله في شخص حسني مبارك ، لخير دليل على ما أخبرك به ، فأنا يا مؤمن ولدت قبل الحرب بشهور معدودة ، وبينما أنا في بطن أمي سمعت بعضهم يتحدث عن قائد الصربة الجوية حتى تخيلت أن حسني مبارك هو بمفرده من حارب إسرائيل - عقل عيال بقه - تم قام السادات بإعادة فتح القناة للملاحة بعد تطهيرها و بعد الإعلان عن فض الاشتباك في ١٩٧٥ م
ويأتي عام ١٩٨٠ م وتشهد القناة أكبر عملية توسعات و زيادة الغاطس بما يتماشى مع تقدم وتطور الملاحة العالمية وبلغت نسبة الحفر وعمل تفريعات جديدة قدرت بنحو إجمالي طول ٥٥ كم بتكلفة تحملتها الحكومة المصرية بالكامل ، ومن يومها ودخل القناة لا نعرف عنه شيء إلا ماندر وقل ، فقيل أنه تابع لمؤسسة الرئاسة ، وقيل ما قلته بخصوص علاء وجمال مبارك ، وإن ظهر أحيانًا في الموازنة العامة للدولة ، فظهوره كان مجرد أرقام وليس أموال ، نعم أنا أعي ما أقول ، وإلا إذهب وأسأل عن مهندس الأرقام المدعو " يوسف بطرس غالي " فهو حي يرزق ، أسألوه عن أموال التأمينات ، أسألوه حينما كان يضع ١٠٠ مليون جنيه لدعم المحروقات ، وأنا كنت ساعتها مواطن بلا سيارة ومع ذلك كنت أدفع ثمن المواصلات العامة .
أنى يوم ٧ أغسطس ٢٠١٤ وأعلنت الحكومة المصرية عن تدشين قناة جديدة يتم تمويلها بالكامل من جيوب المصريين وتحمس الناس و جمع ٦٠ مليار جنيه وفوقهم " حلق " الحاجة زينب " الله لا يقشعها " ثم نتفاجأ أنها مجرد ترعة أو تفريعة أقل من التي انشئت في عام ١٩٨٠ ، بإجمالي طول لا يتجاوز ٣٥ كم ، ولما سألنا أين ذهبت أموال الناس وأين وكيف ستدر القناة الجديدة ١٠٠ مليار جنيه كما أعلنوا هم ، وجدوا أنفسهم في حيرة من أمرهم وما كان من كبيرهم إلا أن خرج علينا وهو يضحك ضحكته الشهيرة ويقول : كان الغرض " رفع الروح المعنوية لدى المصريين " وإني لأتساءل بكل براءة كما تساءل " عوكل " ما الذي أتى بالقلعة بجوار البحر ؟ وهل إحتل الإنجليز مصر مرة أخرى ؟
هي القناة وستظل لعنة على المصريين ، لذلك أطلب من القيادة العامة المسئولة عن حكم القناة أن تبيعها وتخلصنا منها ومن مصائبها ، وأحمد الله حمدًا مبالغ فيه ، فقد استجابت القيادة العامة لحكم القناة ، وقررت بيعها من خلال صندوق خاص قادر على بيع أي شيء دون رقابة أو إشراف ، وبذلك سنتخلص من دم الشهداء الممتزج بماء القناة ، وإن لم تفعل القيادة ذلك فارحلي ، نعم ارحلي وعودي إلى ثكناتك التي أتيتٍ منها ، ونحن نضمن لكي رواتب مجزية من ضرائبنا و دمائنا ، فدورك الحقيقي هو حمايتنا ومنع الاحتكار ، لا أن تحتكرينا وتحتقرينا .
الديمقراطية تضمن عودة الاستثمار ، الحرية تضمن تحريك عجلة التنمية ، التعليم الجيد كفيل باللحاق بقطار التقدم حتى لو من مؤخرته ، إرفعوا ايديكم قبل أن يأكلها الجياع فكل خبراء الاقتصاد المحايدون يجمعون أننا على مشارف " تفليسة " كبيرة ، وعرضي الأخير لكم " خذوا قناة السويس وارحلو .
كل المقالات تعبر عن أراء أصحابها ولا تعبر عن رأي التحرير
بالتوفيق
ردحذفكل التحيه والتقدير لفريق عمل أخبار التاسعه
حذف