علي محمد علي يكتب : حكاية مصرية للبيع ( ١ )


هز الهلال ياسيد كراماتك لاجل نعيد

حد الله مابيني وبينك غير حب الوطن ياحكومة

ماحناش حبة بلاليص حاطينها فوق الكراسي

بكرة المولى يعدلها وفي الدنيا عمرك ما تقاسي

هز الهلال ياسيد كراماتك لاجل نعيد

الرائع بديع خيري 

كلمات مصرية صٍرفة ، وحكاية مصرية صٍرفة بتبدأ سنة ١٨٧٤ ق.م لما قرر عظيم مصر " سنوسرت الثالث " الملك الخامس للأسرة الثانية عشر ، وأعظم ملوك عصر الدولة الوسطى ، ووالد العظيم " أمنمحات الثالث " ملوك الحروب والرخاء ، ولا تسألني كيف يجتمع الحرب والرخاء في آن واحد ، لكنه تحقق بالفعل في عهد العظماء  ، أما في عهد الجبناء فلا حرب ولا رخاء ، هكذا أخبرنا ويخبرنا " أبانا " التاريخ ، سنوسرت شق قناة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر عبر نهر النيل ، عرفناها باسم " قناة سيزوستريس ".

بالمناسبة هذا الاسم هو نفسه اسم " سنوسرت" كما نطقه الإغريق ، وتكمن أهميتها في أنها زادت من حركة التجارة بين " كمت " و " بونت " ، أقصد " مصر " و " الصومال " كما عززت أيضًا التجارة بين مصر وجزر المتوسط ، ولأسباب تتعلق بضعف الدولة أهملت القناة حتى جاء عظيم آخر اسمه " سيتي الأول " وأعاد افتتاحها سنة ١٣١٠ ق.م ، ثم دارا الأول ثم بطليموس الثاني ، ثم سموها قناة الرومان سنة ١١٧ م ، ثم سموها " قناة أمير المؤمنين " سنة ٦٤٠ م ، ثم ردمها أمير المؤمنين " أبو جعفر المنصور " العباسي لما ثار وتمرد أهل الحجاز على الحكم العباسي ، خوفا من تعاطف أهل مصر معهم وإمدادهم بالمؤن والسلاح ، ثم فتحها " هارون الرشيد " ثم ردمت من جديد.

الغريب أنهم كانوا يسيرون قوافل البضائع على ظهر  ( الجمال والبغال والحمير ) في نفس الطريق الذي كانت تسلكه القناة ، حتى إكتشف البرتغاليون " طريق رأس الرجاء الصالح " والذي يلف ويدور حول قارة إفريقيا بالكامل ، فتسبب ذلك في بوار التجارة وكسادها في مصر والبندقية ونابولي وجنوة وغيرها من المدن والجزر المتوسطية ، فتجمع التجار وذهبوا للسلطان المملوكي " قنصوة الغوري " طالبين من النجدة ، راجيين منه إلغاء القوافل وإعادة حفر قناة الجدود الأصليين.

 لكن طبول الحرب كانت تدق فوق رأس المملوكي ، حتى حل العثمانلي ضيفًا ثقيلًا على عموم البلاد ، ومرت السنون الطويلة والليالي السوداء على القناة ، حتى جاءت الحملة الفرنسية بقيادة " نابليون بونابرت " وهزم العثمانيين واستولى على حكم البلاد، وتلقى نابليون من فرنسا أمرًا بحفر قناة تربط بين البحرين مباشرةً ، فأخذ معه لجنة من المهندسين وخرج من القاهرة لمعاينة الموقع ، وكان يرأس لجنة المهندسين رجل يدعى " لوبير " والذي أقنع " بونابرتة " بأن مستوى سطح الماء في البحر الأحمر أعلى من نظيره في المتوسط بما يعادل تسعه أمتار ، مما سيؤدي إلى غرق محقق للبلاد.

تراجع " نابليون " في الحال وعاد دون تحقيق هدفه ، كان هذا في نهاية عام ١٨٠٠ م وحتى بدايات العام الذي يليه ١٨٠١ م ، لكن نابليون بعد رحيله إلى فرنسا وتوليه سدة الحكم ، أرسل دبلوماسيًا مخضرمًا إلى مصر حتى يختار واليًا على مصر مواليًا لفرنسا ، هذا الدبلوماسي هو " ماتيو دي ليسبس" وبالفعل وقع اختياره على ضابطًا في الفرقة الألبانية التابعة للجيش العثماني ، رآه يتقرب بذكاء إلى شيوخ الأزهر والزعامة الشعبية وكبار الأعيان ، فقدم له النصيحة والمشورة بل والدعم المادي في بعض الأحيان ، حتى تمكن " محمد علي " من السيطرة على حكم البلاد متغلبًا على " البرديسي " الذي عينه الإنجليز ومن بعده " خورشيد باشا".

لم ينسى محمد علي مساعدة فرنسا له عن طريق مبعوثها الذكي " ماتيو دي ليسبس " حتى بعد وفاته ، وقدوم ابنه المهندس الشاب " فرديناند دي ليسبس " كقنصل مساعد لبلاده في الإسكندرية ، واستقبله " محمد علي " بحفاوة بالغة كنوع من رد الجميل لأبيه ، وعرض عليه العمل في القصر كمعلمًا ومربيًا لابنه الأمير " محمد سعيد باشا " ومنذ ذلك الحين وقد ولدت علاقة من نوع خاص بين الدبلوماسي الفرنسي والأمير ، تلك العلاقة سيكون لها ما بعدها سواء على الصعيد المصري أو حتى العالمي ... فانتظروني ....

تعليقات

  1. تحيه من القلب للاستاذ على محمد على ، على هذا المقال الاكثر من رائع ،

    ردحذف
    الردود
    1. حبيبي يا أستاذ حمادة يا محترم ... والله إنك وحشني ... أدعوا الله أن يكتب لنا لقاء عما قريب .

      حذف
  2. بالتوفيق يارب ومن نجاح لنجاح اخويا الكبير اللي أعتز به

    ردحذف
    الردود
    1. أعزك الله وأكرمك أينها العزيزة الغالية .

      حذف

إرسال تعليق

أترك تعليق