لم يكن لدي سابق علم، بغرض اللقاء الذي دعاني إليه، في قصر القبة الرئيس محمد مرسي، منذ 9 سنوات، وتحديداً (السبت 16 فبراير 2013)، ذلك اللقاء الذي استمر قرابة الساعتين، وحضر جانباً منه اثنين من مساعدي ومستشاري الرئيس، هما الدكتور أيمن علي، والدكتورة باكينام الشرقاوي، وتطرق للعديد من القضايا المطروحة على الساحة السياسية في هذا الوقت، وكان أهمها الدعوات لتشكيل حكومة جديدة ذات طبيعة "سياسية" ومتنوعة – شبه ائتلافية
لم يكن الدكتور مرسي رافضاً للفكرة – بل بالعكس – كان متحمساً لها، لكن حماسه كان مرهوناً، بمدى استجابة الأطراف الأخرى لهذه الخطوة، التي أعتقد أنها لو كانت تمت، لتغير مسار كثير من الأحداث اللاحقة .. (وقد يأتي وقت قريب أروي فيه مزيداً من تفاصيل لقاء قصر القبة، وما حدث بعده من ردود أفعال متباينة).
أعود للقاء، قصر القبة، فبعد نقاش استمر قرابة الساعة، حول الأسماء، التي يمكن أن تشغل مواقعاً رئيسية في التشكيل الوزاري الجديد – خاصة الوزارات السيادية – وتعكس تمثيلاً للثورة، بأطيافها السياسية، والفئوية، والعمرية المختلفة، طلب مني الدكتور مرسي استطلاع موقف بعض الأسماء والأحزاب والشخصيات العامة مثل السيد عمرو موسى، وأحزاب الوفد، والدستور، وأسماء أخرى مثل الصحفي وائل قنديل وآخرون.
كان من بين الأسماء، التي تحمس لها الدكتور مرسي، لكن طلب تأجيل عرض الموقع عليه، المستشار هشام جنينه، الذي اقترحت أسمه لتولي وزارة "الداخلية"، بوصفه خريج كلية الشرطة، عام 1976، وعمل ضابطاً لفترة بمديرية أمن الجيزة، قبل انتقاله للنيابة العامة، ثم لسلك القضاء، الذي ترقى فيه حتى أصبح رئيساً لمحكمة استئناف القاهرة، وسكرتيراً عاماً لنادي القضاة، وأحد أبرز رموز استقلال القضاء قبل وبعد ثورة يناير.
كان رأي الدكتور مرسي، يميل لاختيار جنينه، لكن لوزارة العدل، وكان رأيي إلغاء وزارة العدل، وإحالة اختصاصاتها للمجلس الأعلى للقضاء، تأكيداً لفكرة استقلال السلطة القضائية، عن السلطة التنفيذية.
لم يرفض الدكتور مرسي فكرة إلغاء وزارة العدل، لكنه طلب تأجيلها لعدة أسباب أهمها : دراسة إمكانية نقل تبعية بعض القطاعات لوزارات أخرى، مثل نقل قطاع أبنية المحاكم للإسكان، وقطاع الشهر العقاري والتوثيق للإدارة المحلية، وجمع الطب الشرعي، والخبراء، والمحضرين وغيرها، من الأجهزة القضائية المساعدة في هيئة واحدة مستقلة.
أما عن تكليف المستشار هشام جنينه، بحقيبة وزراية، "الداخلية" من وجهة نظري (كأول وزير "مدني" بعد فؤاد سراج الدين وزير الداخلية حتى 1952) أو كوزير للعدل، من وجهة نظر الدكتور مرسي (كأخر وزير للعدل، حال إلغائها).
فقد صادف هذا التكليف عقبة أخرى، هى القرار الذي كان الدكتور مرسي قد أصدره في سبتمبر/أيلول 2012، بتعيين جنينه رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات، خلفاً لجودت الملط، الذي تظاهر ضده العاملين بالجهاز عقب ثورة يناير
أظن أن الدكتور مرسي، كان لديه معلومات – لم يفصح لي عنها – عن الملفات الخطيرة التي أمسك بها هشام جنينه، مكتفياً بالإشارة لي "اترك هشام، يكمل مهمته، ولو لعام واحد في الجهاز".
كشفت الأحداث – لاحقاً – صحة ما أشار إليه الدكتور مرسي، عندما تبين أن جنينه وضع يده في عش الدبابير، عندما أرسل أعضاء من الجهاز للتفتيش ومراجعة حسابات المشروعات الاقتصادية "المدنية" التابعة للجيش، ثم كانت أزمة التقرير الذي قدر حجم الفساد في مصر ما بين 2012 إلى 2015 بما يزيد عن 600 مليار جنيه، والتي انتهت بإصدار قانون – خصيصاً - لعزله من موقعه، ثم إصدار حكم عسكري بسجنه حتى خرج اليوم فقط بعد خمس سنوات كاملة.
ربما لم يسعى هشام جنينه للصدام مع السلطة، ولم يستهدف الإساءة لأحد، كما تصور صناع القرار بعد 2013، لكن الرجل كان حريصاً أن يمارس دوره الحقيقي، وفقاً للدستور، والقانون، لكن النظام لم يفهم هذا الدور، ولم يستوعب تاريخ هذا الجهاز الطويل، في الصراع مع الفساد، الذي كثيراً ما تصادم مع إرادة السلطة.
فقبل 1952 ناقش مجلس الشيوخ، لمدة ثلاثة أيام متواصلة، استجواباً مقدماً من أستاذي وأبي الروحي النائب فؤاد سراج الدين، حول أسباب استقالة رئيس ديوان المحاسبات، وكان أخطر استجواب برلماني، لأنه كان مدخلاً لمناقشة كافة أوجه الفساد التي حملت رئيس الديوان للاستقالة.
في عام 1978 تكررت الأزمة عندما استقال المهندس محمد صدقي سليمان، بعد ما نشرته جريدة "الأحرار" من واقعات فساد، أخفاها الجهاز، وسجلها بعض النواب في الجلسة 23 لمجلس الشعب المنعقدة في 13 فبراير/شباط 1978.
وبعد 30 سنة أخرى، وفي 18 يونيو/حزيران 2008، استقال المستشار أحمد شوقي الشلقاني بعد أسبوع عن إعلانه في برنامج "البيت بيتك" - الذي كان يُعرض على القناة الثانية بالتلفزيون الرسمي - عن كشف وشيك عن أكبر قضية فساد في مصر.
استقال هؤلاء – أو حتى أقيلوا – لكن أحداً منهم لم يتعرض للتنكيل والسجن والضرب والإهانة التي تعرض لها المستشار هشام جنينه، الذي لم يفكر النظام في الإفراج عنه في نصف المدة كما يفعل عُتاة الإجرام، رغم سنه المتجاوز 70 عامًا.
كان يستحق المستشار جنينه إفراجاً شرطياً "وجوبياً" بانقضاء ثلاث أرباع مدة العقوبة، بموجب المادة رقم 52 من القانون 49 لسنة 2014، إلا أن النظام لم يفعل أيضًا
وظل هشام جنينه حتى أخر ساعة من حكم الخمس سنوات رهن السجن في ظروف قاسية، بدأت بوجوده في أقذر سجون مصر "سجن الاستئناف" والذي نُقل منه لسجن بدر الذي غادره لمنزله اليوم.
ربما يكون خروج هشان جنينه اليوم، وعودة ممدوح حمزة لمصر، بالأمس، إشارات إيجابية قد يراها ويتمناها البعض بدايات انفراجه قادمة ومستحقة.
لكننا نؤكد أن هشام جنينه لم يخرج إلا بقضاء أخر يوم من حكمه الصادر من القضاء العسكري، وممدوح حمزة لم يعد إلا بحكم قضائي برفع أسمه من قوائم الترقب، والانتظار، وقوائم الإرهاب.
لذا لا ينبغي أن يعول النظام أو يتوهم أن هذه إشارات إيجابية سيقدرها الداخل والخارج بأكثر من قدرها وحقيقتها.
أعتذر للمستشار هشام جنينه قبل أن أقدم له التهنئة، فالرجل لم يحظى -رغم قدره الكبير- بالقدر الكاف من الاهتمام الواجب خلال سنوات سجنه، لكن أثق أن التاريخ سينصفه في قادم الأيام.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق