نصر القفاص يكتب : "الفراخ" قالت كل شئ!!


تفرض "أزمة الفراخ" علينا طلب "وقت مستقطع" من اجتهاد بحثا عن إجابة لسؤال, حول "كيف يفكر الرئيس"؟! دون أن يعتقد أحد أننى أتجه للسخرية!!

كشفت "أزمة الفراخ" قصة تدمير الصناعة وتخريب الزراعة على مدى نصف قرن.. إمتد منذ أن أطلت "الجمهورية الثانية" بمنهج "أنور السادات" وتمكنت من الاستمرار حتى الآن!!

تابعنا كلنا بالصوت والصورة مراحل الأزمة من بدايتها.. شاهدنا مأساة "قتل الكتاكيت" ودفنها حية أو إغراقها.. سمعنا صراخ مربى الدواجن.. رأينا ذبح ما يسمى "الأمهات" لعدم توفر الأعلاف, التى كانت محبوسة فى الميناء.. صرخنا من ارتفاع جنونى فى أسعار الدواجن – غير جنون كافة الأسعار – ثم زفوا لنا البشرى.. تم الإفراج عن الأعلاف.. بدأت حملة ضد "مربى الدواجن" ومعهم "تجار الفراخ" باعتبارهم مستغلين ويتاجرون بآلام الناس وأقواتهم!! وجاء الفرج – المزعوم – باستيراد "فراخ برازيلى" رخيصة الثمن.. صاحب ذلك حملة إعلامية تشيد بصاحب القرار, الذى تدخل لإنقاذ الشعب بتدمير "صناعة الدواجن" ليتأكد لنا أننا أمام "جراحة ناجحة إنتهت بقتل المريض" وإطلاق "المغفلين" لكى يقيموا الأفراح والليالى الملاح!!

جنون "أسعار الفراخ" غطى على ذهول الذين يملكون عقولا!!

كيف.. لماذا.. لمصلحة من تدمير صناعة كانت تحقق الاكتفاء الذاتى؟!

السؤال نفسه, علينا أن نطرحه بشأن تدمير صناعة الحديد والصلب.. تدمير صناعة السيارات.. تدمير صناعة الغزل والنسيج.. تدمير صناعة البلاستيك.. إلى آخر قائمة الصناعات الثقيلة والتوسطة التى أنجزتها "الجمهورية الأولى".. ثم تخريب زراعة "القطن" و"الأرز" وإهمال زراعة "القمح" لصالح "الدولار" الذى تسلل ليلعب دور جيوش كانت تستعمر الدول!!

إنتهت "الجمهورية الأولى" وكان "الجنيه المصرى" صاحب قيمة تساوى "ثلاث دولارات" لأن مصر كانت تأكل مما تزرع, وتستهلك ما تنتجه مصانعها – باستثناء القمح – وبدأ زمن "الرخاء والرفاهية" الذى بشرنا به مؤسس "الجمهورية الثانية" معلنا دولة "العلم والإيمان" و"سيادة القانون" و"الحرية والديمقراطية" و"السلام" إلى آخر قائمة الأوهام التى عشناها – ومازلنا – دون إغفال صب اللعنات على "ثورة 23 يوليو" لاغتيال قائدها وزعيمها "جمال عبد الناصر" بعد رحيله فى "صمت نبيل" مازال يؤلمنا!!

جاءت "أزمة الفراخ" لتكشف أمام أعيننا سر ذهابنا إلى "سكة الندامة" وسط أجواء صاخبة.. إنشغلت مصر بأوهام فرضها علينا حاكم بعد حاكم.. عاشت أزمات أبدع كتابتها وإخراجها حاكم بعد حاكم.. لم ننتبه إلى صرخة "أحمد بهاء الدين" حين قال: "إنفتاح السداح مداح" وكان معه عشرات يحذرون.. يواجههم مئات من الانتهازيين والأفاقين, فازوا بالمكاسب والمناصب مقابل تدمير وطن!! كشفت السينما هول الكارثة بأفلام منها "المذنبون" و"السادة المرتشون" و"أهل القمة" و"إنتبهوا أيها السادة".. كما فضح المسرح حقيقة خداع الشعب بما قدمه "على سالم" فى مسرحية "بكالوريوس فى حكم الشعوب" و"لينين الرملى" فى مسرحية "تخاريف".. ونشرت الصحف تفاصيل جرائم "توفيق عبد الحى" الذى استورد "الفراخ الفاسدة" ورصدت جرائم "عصمت السادات" و"رشاد عثمان" وكليهما يتصدر أولاده المشهد السياسى والاقتصادى هذه الأيام.. وأضف إليهما قائمة طالت, تضم "نجم السيراميك" وبطل "الحديد" وإمبراطور "المحمول" مع أباطرة "الأسمنت الذين طور بعضهم نشاطه إلى "تجارة الآثار".. وأصبح "القاتل" أبرز نجوم عالم المال!!

أصل الحكاية تأخذك إلى "أزمة الفراخ" الكاشفة لما قبلها وما سيأتى بعدها!!

إنفراجة "أزمة الفراخ" حدثت بتدمير هذه الصناعة.. لكى نفهم أن انفراج أزمة مصر الاقتصادية مفتاحها فى "قناة السويس".. لأن "جمهورية مصر التجريبية" التى بدأت مع ظهور "جمال مبارك" تفرض نفسها علينا لندور داخلها كسكارى وما نحن بسكارى!!

تحولت "أزمة الفراخ" إلى ميدان ضرب نار ضد "الجيش" الذى لا يكف "خدم الملكية والاستعمار" عن رشقه بوصف "العسكر".. مع اتفاقى على أن "الجيش" تورط فيما لا يجب أن يتورط فيه.. تم جرفه إلى مستنقعات تسئ إليه كمؤسسة ضامنة لاستقلال واستقرار الوطن.. حدث ذلك من قبل فوقعت "هزيمة 67" وشهرتها "النكسة".. لكنه تطهر من أزمته وحقق أعظم انتصاراتنا العسكرية فى اكتوبر 1973, وظل بعيدا – إلا قليلا – عن السياسة.. وشاء "حسنى مبارك" لحظة سقوط نظامه أن يدفعه إلى "مستنقع", تشكل بإرادة "أنور السادات" منذ أن راهن على أن يقوم نظام حكمه على طرفى "مقص" هما: "الإخوان" والفساد.. حتى دار الصراع بين الطرفين بعد "ثروة 25 يناير" التى لم تكتمل.. ثم كانت "ثورة 30 يونيو" التى لم تكتمل.. لنجد أنفسنا فى المربع الأول برعاية أمريكية – خليجية.. شاءت أن تملك مفاتيح المنطقة كلها من "الرياض" و"ابو ظبى" و"الدوحة" باعتبار أن مصر وصلت إلى "أزمة الفراخ" دون إغفال "البيض"!!

تعليقات