أشرف الصباغ يكتب : ماذا بعد تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية


من الواضح أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران هو مجرد خطوة بسيطة ضمن حسابات سياسية واقتصادية أوسع، إقليميا ودوليا، تقوم بها الرياض. وهي أيضا مقدمة للتطبيع مع إسرائيل، سواء بشروط السعودية أو بشروط إسرائيل، أو وفقا لموازين القوى.

الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ملتزمة بضمان أمن إسرائيل، وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة. وقد أعلنت موسكو رسميا أكثر من مرة أنها ملتزمة بضمان أمن إسرائيل، بصرف النظر عن تأرجح العلاقات بين موسكو وتل أبيب. وبالمثل واشنطن تعتبر أمن إسرائيل جزءا من أمنها هي شخصيا. 

تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب لا يمكن أن يقابَل بأي اعتراضات أو استهجانات، بل على العكس، لأنه يأتي بعد تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين رسميا مع إسرائيل، ووجود علاقات طيبة معها من قبل قطر وعمان. ولا يمكن أن تعترض أي دولة إقليمية أو من خارج المنطقة على هذه الخطوة، بل سيرحب بها الجميع، وربما يحصل محمد بن سلمان على جائزة نوبل للسلام مع الزعيم الإسرائيلي الذي سيوقع معه الاتفاقية ذات الصلة. حتى إيران لا يمكنها الاعتراض، لأنها لا تعترض على تطبيع تركيا أو روسيا أو الإمارات. وقد تصدر طهران بيانات شجب وتنديد ولن تذهب الأمور إلى أبعد من ذلك.  

كما أن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب يعد أحد خطوط الدفاع عن منطقة الخليج، في حال وجهت إسرائيل أو الولايات المتحدة، أو الدولتان معا، ضربات لإيران. هنا تسقط كل التهديدات الإيرانية بشأن حرق منطقة الخليج في حال أي اعتداء أمريكي- إسرائيلي عليها. وفي حال اعتداء إيران على أي دولة خليجية، فإنها ستوفر الغطاء الشرعي الكامل لكل الضربات الممكنة التي ستوجه إليها، بصرف النظر عن مواقف روسيا والصين. والأخيرة ستجد نفسها متورطة في حال اعتداء إيران على أي دولة خليجية. وستعاني من خسائر لا حصر لها من الشرق ومن الغرب.

من السابق لأوانه الإعلان بأن تقارب السعودية وإيران هو فشل لإسرائيل أو فشل للولايات المتحدة. فالأخيرة على سبيل المثال، لا يهمها إلا ما يتعلق بمصالحها المباشرة كأولوية. ثم تأتي الدائرة الأوسع قليلا بشأن ما يتعلق بمصالحها بشكل غير مباشر. وعادة ما تترك واشنطن هامشا من المناورة لحلفائها، بشرط أن ينفذوا إجراءات معينة متفق عليها، وبقية الأمور متروكة لهذا الطرف أو ذاك من الحلفاء ليدبر أموره بنفسه. 

لا توجد أي مؤشرات على غضب إسرائيل من تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران. ولا ينبغي لإسرائيل أصلا أن تغضب، لأن الأهم هو تطبيع علاقاتها مع السعودية كأولوية، وليس تطبيع الأخيرة مع إيران. وما يتعلق بالصراع بين تل أبيب وطهران، فهذا أمر مرتبط بمتغيرات ومعادلات أخرى، لا تخص دول الخليج بالدرجة الأولى. وبالتالي، فما يكتب من تحليلات في الصحافة الإسرائيلية لا علاقة له بالموقف الحقيقي لمركز القرار في تل أبيب.

من المبكر أن نمد الخطوط على استقاماتها ونصدر فتاوى بشأن مستقبل العلاقات بين السعودية وإيران، وبشأن عودة سوريا إلى "الحضن" العربي. ومن السابق لأوانه أيضا أن نتحدث عن انتصار جبار للصين، أو لروسيا التي لا علاقة لها إطلاقا بما تم بين الرياض وطهران. ومن غير المعقول أن "نتكهن" بمستقبل العلاقات الرائعة بين هذا الطرف أو ذاك، أو ظهور تحالفات استراتيجية أو غير استراتيجية بين هذه الدولة أو تلك. إذ أن الخطوة السعودية- الإيرانية مجرد تحركات ونقلات ضمن حسابات أوسع. وهذا ما ستبينه موازين القوى، وتحركات ونقلات الأطراف الأخرى، وبالذات إسرائيل والولايات المتحدة والصين وروسيا. 

لا يمكن تصور أن تعلن دول ما، على رأسها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، رفضها علنا. لكن التقاليد الدبلوماسية تلعب دورا مهما هنا في استقبال هذه "النقلة" بهدوء، وتخفي بيانات الترحيب والاستحسان وراءها ما يجري في كواليس الدبلوماسية وأروقة السياسة، حيث تعكف الأطراف الكبرى، والأطراف ذات الصلة، بدراسة هذا التقارب، ووضع حسابات وتوقعات واحتمالات.. 

لا يوجد أي مبرر من أي طرف للهجوم على الدبلوماسية والسياسة الخارجية المصرية أو السخرية منهما أو التقليل من دورهما أو من تحركاتهما. ويمكن أن نعترف بأن تدهور الأوضاع الداخلية والاقتصادية وفشل بعض الملفات سحبا الكثير من بعض نجاحات السياسة الخارجية الحذرة التي تفادت الكثير من المطبات والأفخاخ. ولكن لا رجاحة عقل هنا في الضغط على المفاوض المصري أو وصفه بالتقاعس أو الفشل. كل ما عليه الآن هو أن يجلس لإجراء حساباته، ووضع المصالح القومية المصرية العليا حصرا فوق أي اعتبارات، والتنسيق بما تسمح به الظروف وموازين القوى مع الأطراف القريبة والأقرب والأبعد، والبحث عن مساحات للمناورة، والتحرك نحو أهداف واضحة بشكل مباشر بعيدا عن الطنطنة والإعلانات، وبذل الجهد في ترسيم دوائر حركته وتقاطعاته مع الأطراف الأخرى، سواء كانت دول الخليج أو إسرائيل أو تركيا أو سوريا أو إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار، وبشكل حصري الدائرتين الأفريقية والأوروبية- المتوسطية والاستفادة منهما قدر الإمكان وبقدر ما تمتلك القاهرة من أوراق. 

هناك اعتقاد، قد يكون خاطئا أو غير متبلور، بأن القاهرة تملك الآن جميع الفرص والإمكانيات لتوسيع مساحات مناوراتها السياسية إقليميا ودوليا، مع عدم السقوط في فخ "الذيلية" لهذه الدولة أو تلك، لأن الأمور تتغير بوتيرة سريعة ومصر لا تمتلك رفاهية أي حسابات خاطئة أو بيروقراطية. ومن الممكن أن تلعب الإصلاحات الداخلية السريعة في ملفات اجتماعية وحقوقية وفي ملفات الحريات ورفع الأسقف دورا مهما في دعم التحركات الخارجية، بدلا إحكام القبضة والهلوسات الأمنية. وبالتالي، تتوقف عملية السحب من رصيد السياسة الخارجية. 

كل ذلك، مجرد نظرة سريعة، بعيدا عن اليقينيات والتكهنات والهلوسات "الاستراتيجية" التي تملأ وسائل الإعلام وتنطلق في التحليلات العرجاء. الوقت لا يزال مبكرا للغاية للخروج بآراء يقينية، ومواقف ملتهبة وحماسية. فمراكز القرار في الدول الكبرى، رغم الترحيبات الدبلوماسية، تعكف الآن بشكل جدي لبحث الأمور. والمقصود ليس بحث التقارب السعودي الإيراني فقط وبالذات، ولكن بحث المشهد الإقليمي وتحركاته، وبحث الوضع الدولي وتحولاته..

#السعودية_إيران

#بن_سلمان

تعليقات