مشهد رقم 2
الحركة العمالية في مصر من عام 1971وحتى انتفاضة يناير 1977
وإذا كانت مظاهرات عمال حلوان في 21 فبراير 1968 كانت ميلادا جديدا للحركة الشعبية وكانت المفجر الأساسي لانتفاضة الطلاب عام 68
فلقد ذهبت قيادات العمال وقتها إلى غياهب السجون ولا أحد يدري شيئا عن فترة اعتقالهم وأكيد أنهم بعد فترات الاعتقال تم تشريدهم من مصانعهم.
ورغم كل ذلك لم تذهب حركتهم أدراج الرياح فلقد برزت قيادات عمالية جديدة وخاصة من عمال المصانع الحربية داخل منطقة حلوان ، وكانت تعمل في ظل ظروف ديكتاتورية قاسية.
حكى لي بعض العمال أنهم كانوا يعقدون لقاءات جماهيرية في الشارع (بعد انتهاء يوم العمل) وكانوا يناقشون أوضاع العمال وأحوالهم ويسعون من جديد لتنظيم صفوف الحركة العمالية بحلوان ، لكن السلطات قامت بتشريد هذه القيادات إلى مصانع خارج حلوان وتم وأد التجربة قبل أن تنمو لكن رغم قمع هذه المبادرات كان إضراب عمال الحديد والصلب في صيف عام 1971 هو أول إضراب عمالي مستقل للحركة العمالية الوليدة.
وكان الإضراب يطالب بزيادة الأجور وتحسين شروط العمل ، وكان الإضراب في بدايات فترة حكم السادات والذي كان وقتها في زيارة ما خارج البلاد ، وتم اعتقال قيادات الإضراب وحينما حضر السادات صرح في أحد خطاباته :
"لو كنت في مصر وقت الإضراب .. كان لي تصرف تاني أشد مع هذا الإضراب!!! فالديمقراطية لها أنياب شرسه".
ولم يمضي عام على إضراب عمال الحديد والصلب حتى أضرب العمال في أحد مصانع شبرا الخيمة مطالبين أيضا بزيادة الأجور وتحسين شروط العمل.
ويمكن رصد أهم إضرابات وتحركات العمال في هذه الفترة:
مظاهرات عمال المصانع الحربية بحلوان ونزولهم إلى ميدان التحرير يوم 1 يناير 1975.
إضراب ومظاهرات عمال المحلة الكبرى لمدة 4 أيام بالمحلة في مارس 1975.
حركة عمال مصنع الكوك بحلوان عام 1975 وتشكيل لجان المندوبين النقابيين.
إضراب عمال النقل العام والذي شل مدينة القاهرة بأكملها في صيف عام 1976.
إضراب الشركة الشرقية للدخان والسجاير (موتسيان) في صيف عام 1976 والذي انتهى باقتحام قوات الأمن المركزي للمصنع واعتقال ما يقرب من 300 عامل.
إضراب عمال شركة النصر للسيارات بوادي حوف بحلوان في صيف عام 1976.
حركة عمال مصانع الغزل والنسيج بالإسكندرية طوال عام 1976 من أجل تشكيل لجان المندوبين النقابيين.
وكانت هناك تحركات عمالية نشطة في ثلاث مواقع عمالية: مصنع حرير حلوان – الترسانة البحرية بالإسكندرية – ومصنع النقل الخفيف بحلوان.
وبالطبع لم تكن هذه الإضرابات والتحركات (المذكورة سابقا) هي كل ما حدث في الفترة المذكورة (71 – 1981) بل هي أبرزها والتي عرفتها من قيادات العمال الذين التقيت بهم أو كتبوا عنها .
لا يمكن حصر الإضرابات والتحركات بشكل وافي إلا من خلال صحافة استقصائية والبحث عنها بشكل وافي في الصحافة السرية للتنظيمات الماركسية في السبعينات (الانتفاض – الانتصار – اتحاد الشعب ...الخ) أو الجرائد الحكومية والتي ستتكلم بصورة مشوهة عن هذه الإضرابات أو في جرائد المعارضة التي ظهرت في أواخر السبعينات.
وكانت هناك بعض السمات العامة والمشتركة لمجمل هذه التحركات:
محور كل هذه الإضرابات كان يدور حول زيادة الأجور وتحسين شروط العمل.
ولم يتطرق أي إضراب للهيكل العام للأجور في الدولة (الأجر الأساسي) وإنما كان يدور حول الأجر المتغير مثل بدل طبيعة العمل والحوافز وبدل الوجبة الغذائية ... الخ
ولم تتلقى هذه الإضرابات أي دعم أو تأييد من قبل القيادة المركزية للإتحاد العام للعمال ولا من قبل النقابات العامة بل كانت هذه الجهات تقف دائما ضد إضرابات العمال وتعاديها.
وغابت وحدة النضال العمالي فكل مصنع كان يخوض الإضراب بمفرده وبمعزل عن المصانع الأخرى.
فلم نشاهد مثلا إضرابا عاما يضم عمال منطقة صناعية واحدة أو إضرابا عاما لقطاع من قطاعات الصناعة مثل قطاع الغزل والنسيج أو قطاع الصناعات الغذائية على سبيل المثال .
كان كل مصنع يضرب عن العمل بمفرده ، ويقمع من قبل السلطات بمفرده ، وغاب التضامن العمالي لم نسمع أن عمال مصنع ما قام بأي عمل تضامني مع مصنع آخر أثناء إضرابه عن العمل ، وكانت الإضرابات العمالية تسير في جزر منعزلة ومنفصلة، كل هذا برغم أن الهموم العمالية واحدة ، والكل يخضع للاستغلال الرأسمالي ، والكل يعاني من القمع والاضطهاد ، والكل يعاني من زيادات الأسعار والتضخم المستمر الذي يلتهم أي زيادة في الأجر المتغير ، والكل يعاني من نقابات واتحاد عام للعمال في خدمة السلطان وضد مصالح العمال.
تمكن العمال في بعض المواقع من تحرير بعض لجان النقابية القاعدية بإنجاح قيادات عمالية تقف إلى جانب مطالب العمال وتناضل مع القاعدة العمالية وكان ذلك يساعد في نجاح الإضراب لكن ذلك لم يمنع من اعتقال هذه القيادات أو منعها من الترشح بقرارات علوية من قبل جهاز المدعي الاشتراكي.
كان العمال يناضلون في ظروف بالغة الصعوبة، وكان السيف المسلط على جميع القيادات العمالية المخلصة لطبقتها العاملة هو الاعتقال والتشريد إما أن تذهب إلى المعتقل أو يتم نقلك لمصنع آخر في محافظة أخرى أو الاثنان معا ، وهذا ما حدث (على سبيل المثال) مع عمال العزل والنسيج بمحافظة الإسكندرية والذين تحركوا طوال عام 1976 من أجل تشكيل لجان المندوبين النقابيين فقد تم تشريد ما يقرب من 15 قيادة عمالية منهم إلى مصانع بمحافظات الصعيد مثل مجمع الالومنيوم بنجح حمادى بمحافظة قنا وكيما أسوان ومصانع الغزل والنسيج بمحافظات الصعيد ، وهذا ما يثقل الأعباء المادية المعيشية على العمال الذين يتم تشريدهم ، فالعامل في هذه الحالة مضطر للإنفاق على منزلين وليس منزل واحد.
(منزل أسرته في الإسكندرية ومنزل إقامته في المحافظة التي شرد إليها) وبعد فترة من تشريد ونقل عمال الإسكندرية تم اعتقالهم جميعا في 18 ، 19 يناير 1977.
تضحيات كبيرة دفع ثمنها كثير من القيادات العمالية الشريفة ولم تكن هناك أي صناديق تضامن عمالية تقف إلى جانبهم ، بل كان العامل يعتقل وعند خروجه من المعتقل يخصم نصف شهر من أجره أثناء الاعتقال ويقبض النصف الآخر.
حرصت السلطات دائما على تجريد الطبقة العاملة المصرية في نضالها من ثلاثة أسلحة أساسية :
تجريد العمال من حق تشكيل حزب عمالي بدافع عن مصالح الطبقة العاملة.
تجريد العمال من حق التنظيم النقابي المستقل وتأسيس نقابات عمالية بإرادة العمال.
تجريد العمال من سلاح حق الإضراب وتجريمه حتى تصبح الطبقة العاملة في معاركها ضد الاستغلال الرأسمالي عاجزة عن امتلاك الأدوات الحقيقية للنهوض والتقدم.
وهذا ما سنشرحه في موضع آخرحينما نتطرق لتاريخ كفاح العمال المصريين منذ أن تشكلت الطبقة العاملة المصرية في الواقع المصري.
أما عن التحركات العمالية لمصنع الكوك بحلوان (مارس 1975) ولعمال الغزل والنسيج بالإسكندرية (طوال عام 1976) بصدد تشكيل لجان المندوبين النقابيين فهي كانت محاولات لتحسين شروط العمل النقابي القاعدي داخل اتحاد العمال الحكومي للدولة ، حيث أنه في بعض اللجان القاعدية في المصانع تمكنت بعض العناصر الشريفة من تحرير اللجان النقابية القاعدية من قبضة العناصر البيروقراطية الموالية للدولة وكانت فكرة اختيار أو انتخاب بعض المندوبين العماليين من الورش والعنابر المختلفة بالمصنع لمساعدة اللجنة النقابية في عملها والإطلاع بدور نقابي كان يوسع من عمل اللجنة القاعدية في صفوف العمال ويسهل العمل داخل العنابر والورش ويوسع أفق الحركة المصنعية.
وبالرغم من أن هذه المحاولات تمت من داخل الاتحاد الرسمي للدولة ولم تكن تمردا على هذا الإتحاد إلا أنها قوبلت من قبل الدولة بالرفض وبالبطش ووصل الحد إلى تشريد أبرز قيادات عمال الغزل والنسيج بالإسكندرية (والتي شاركت في عقد اللقاءات العمالية لشرح وتوضيح الفكرة لجماهير العمال) إلى مصانع بمحافظات الصعيد لوأد الفكرة من منبعها.
وبالرغم من أن غالبية التحركات والإضرابات العمالية في هذه الفترة كانت ذات طابع اقتصادي (حول زيادة الأجر المتغير وتحسين شروط العمل) إلا أن هذه الإضرابات حينما يتم قمعها يظهر طابعها السياسي فحينما تحرك عمال المصانع الحربية من أجل أوضاعهم الاقتصادية ونزلوا في مظاهرة كبرى لمنطقة باب اللوق وميدان التحرير (1 يناير 1975) يظهر الوجه السياسي لهذا التحرك ويؤثر في الشارع السياسي ويصبح هذا التحرك حديث المدينة بل ينتقل تأثيره إلى مظاهرات تضامن مع العمال في بعض الجامعات النشطة ، كذلك كان إضراب عمال المحلة ( في مارس 1975) فقد كان طابعه اقتصادي لكن وجهه السياسي انعكس على المنطقة الصناعية بأكملها في انتفاضة شعبية بالمدينة طوال 4 أيام متتالية .
وفي إضراب عمال النقل العام (يوليو 1976) فالشلل في حركة المرور والمواصلات بمدينة القاهرة كان وجها سياسيا للإضراب برغم من الطابع الاقتصادي له بزيادة الحوافز، كما أن هذا الإضراب جاء في اليوم التالي عقب استفتاء مزور على تجديد الرئاسة للسادات لفترة رئاسية جديدة وجاء الإضراب وشل مدينة القاهرة عقب إعلان فوز السادات بنسبة 99.9% (الأمر جاء مصادفة) لكن شعبية الإضراب كانت إعلان بزيف هذه النتائج المزورة.
حدث نفس الشيء عند اقتحام قوات الأمن المركزي لإضراب مصنع السجاير (موتسيان) في صيف 1976 واعتقال أكثر من 300 عامل في اليوم التالي لهذا الإضراب تجمع عمال المصنع من أجل تنظيم مظاهرة أمام باب المصنع للتحرك نحو مجلس الشعب للمطالبة بالإفراج عن زملائهم (لكن الأمن تصدى لهم ومنعهم) وتحول الإضراب الذي كان يطالب بزيادة الحافز إلى تجمهر يطالب بالإفراج عن المعتقلين.
وحينما جاءت انتفاضة 18 ، 19 يناير عام 1977 لعب العمال دورا بارزا في هذه الانتفاضة الشعبية المجيدة وساهموا في دعم الانتفاضة وتجذرها وكانوا في الطليعة ...
وقد لعب عمال مصنع حرير حلوان دوراً بارزا في الانتفاضة حينما خرج 11 ألف عامل من المصنع ضد زيادات الأسعار وكانوا سببا رئيسيا في خروج كل عمال حلوان وانضمامهم لعمال حرير حلوان في مظاهرة عارمة نزلت بالطبع إلى ميدان حلوان ثم ميدان التحرير نفس الشيء حدث في الإسكندرية حينما بادر عمال الترسانة البحرية
(5 آلاف عامل) بالخروج ضد زيادات الأسعار ليقودوا الإنتفاضة الشعبية في مدينة الإسكندرية.
لقد شكلت إضرابات العمال في مواقعهم طوال فترة السبعينات مرتكزات جماهيرية شعبية كان لها دورها الهام حينما اندلعت إنتفاضة 18 ، 19 يناير 1977.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق