السيدة "روزاليوسف" توفيت في العاشر من أبريل عام ١٩٥٨ يعني من ٦٧ عاماً ..
وقد أخبرتك أنها معجزة إنسانية بكل المقاييس ..
ولا تجد مثلها إلا نادراً ، أو إستثناء !!
جاءت إلى مصر من بلاد الشام وتحديداً من لبنان أوائل القرن العشرين ..
طفلة مهاجرة بلا أب ولا أم ولا أقارب من اي نوع يعني مقطوعة من شجرة بالتعبير العامي في مصر ..
وكان من المفترض أن يكون مصيرها الضياع وتصبح في خبر كان ولكنها على العكس نجحت نجاحاً باهراً في بلادنا وأصبحت من دعائم النهضة المصرية سواء في مجال الفن أو الصحافة.
وسبق أن ذكرت لك أنها أيضاً معجزة أخلاقية ..
فتاة حلوة ملفتة للأنظار بجمالها وعملت في مجال الفن وما أدراك ما يحدث فيه !!
لكنها حافظت على نقاءها وشرفها رغم أنه لا يوجد لها ظهر يحميها ، وتميزت بقوة شخصيتها ، ولها أنياب تنهش من يحاول النيل منها .
ويلاحظ أنها أول فنانة مصرية تعتزل المهنة لأسباب أخلاقية رغم أنها كانت في قمة مجدها ..
واعتزلت ولم تبلغ بعد الثلاثين من عمرها ، إحتجاجا على نظرية "الجمهور عايز كدة" كما قالت في مذكراتها !!
فقد كانت تقدم مسرحيات رفيعة المستوى ونجحت نجاحاً كبيراً حتى أطلق عليها النقاد لقب "سارة برنار الشرق" وهي ممثلة فرنسية عالمية مشهورة في ذلك الوقت ..
ولكن صاحب مسرح رمسيس الفنان الكبير "يوسف وهبي" رحمه الله أراد إجبارها على تقديم فن هابط يرضي أذواق الجمهور ويضمن مكاسب مادية أكبر ، فرفضت ذلك بشدة وانسحبت من المجال كله إحتجاجا ، وهو أمر نادر أو إستثنائي لم يحدث من قبل مما يجعلها من جديد شخصية إستثنائية أو معجزة إنسانية.
وبعدما تركت الفن أتجهت إلى الصحافة وأنشئت مجلة "روزاليوسف" في أكتوبر من عام ١٩٢٥ ..
وبعد أشهر قليلة يكون قد مر قرن كامل على إنشاءها ، وهي لمعلوماتك المجلة الوحيدة في العالم كله شرقاً وغرباً الذي تحمل إسم من قام بتأسيسها!
وأهم مشكلة واجهتها في هذا المجال كما قالت في مذكراتها أنها أنثى في مجتمع ذكوري ..
وإذا كان الفن فيه خليط من الرجال والنساء ، فالصحافة والسياسة في ذلك الوقت كان حكراً على الجنس الخشن أو أبناء آدم !!
وحواء ليس لها وجود ..
وهي أول امرأة تقتحم هذا المجال ..
كانت تقابل بالدهشة والإستغراب وكأنها قادمة من كوكب تاني، ومع ذلك نجحت مجلتها نجاحاً عظيماً ، وأصبحت في فترة قصيرة من أشهر المجلات في مصر ..
وكل الجيل الذهبي من الصحفيين وعمالقة الصحافة والكاريكاتير لسنوات عديدة تخرجوا من "روزاليوسف".
إنها بالفعل معجزة إنسانية ومن حقي وواحبي أن أقول: أنا فخور بك قوي يا جدتي العظيمة "روزاليوسف" ، وأراك نموذج رائع لبنات مصر ..
وكما قال والدي رحمه الله عنها: "روزاليوسف" أسم أجنبي ولكنها أصبحت في مصر شامخة مثل الأهرامات ..
وقد صدق.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق