علي أبو هميلة يكتب : غزة تدافع عن أمة لم تدافع عنها

 عائدا كنت من المؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج الذي أقيم منذ أيام في إسطنبول وعلى موعد مع مؤتمر علماء تركيا الأول الذي شهدته المدينة السبت والأحد تحت عنوان مآزن غزة وكان المؤتمران دعما للمقاومة الفلسطينية في غزة ورفعا شعار (للتهجير) و(أوقفوا حرب الإبادة) بينما كنت أتوشح الكوفية الفلسطينية التي اصبحت علما يضاف لأعلام فلسطين وأحد أدوات التعبير عن التضامن مع المقاومة فأجئني أحد العرب في تركيا لما سأل عن فلسطين قائلا : لا تعنيني ويكفينا ما حل بنا نتيجة لهذا التضامن!

من دافع عن فلسطين؟ 

كانت المفاجأة مذهلة بينما يتواصل تضامن العالم مع غزة وفلسطين تيجيء الكلمات العربية رصاصات تخترق القلب، علا العجب والدهشة والصدمة على وجهي وسألته: من أنتم الذين دفعوا دفاعا عن غزة وفلسطين؟ فقال العراق دافعت الكثير ونحن نعاني منذ عشرين عاما نتيجة هذا الدفاع! 

قلت من يظن أن هناك دولة عربية دافعت عن فلسطين أو غزة فهو واهم، أن كنت تعتقد أن الغرب الأمريكي شنت حربها على العراق لأنها كانت تدافع عن فلسطين فأنت واهم، وأن كنت تظن أن صدام حسين والعراق في عهده كانوا يدافعون عن فلسطين فهذا الوهم بعينه.

 العراق لم يكن يدافع عن فلسطين هذا الدفاع الذي لم يتجاوز الكلمات البراقة، وبعض الأموال التي قيل أنها كانت لدعم النضال الفلسطيني لم يكن دفاعا عن فلسطين وأرضها، بل كانت دفاع عن العراق وضد مخططات صهيونية تضم أراض عربية في العراق، سوريا، الأردن، لبنان، مصر، وبعض أراضي في أرض الحجاز (السعودية) وأن كنت لا تصدق فأنظر خريطة الدولة الصهيونية على ملابس جنود جيش الأحتلال. 

صدام حسين ربما (تفيد الشك) كان يدرك المطامع الصهيونية في أرض العرب ولذا جاء خطابه مساندا للقضية الفلسطينية، وحاول الدعم وفي الواقع لم يقدم الدور الذي ينبغي القيام به من أجل تحرير فلسطين وأن كانت ال 40 صاروخا الذين أطلقوا على تل أبيب في عام 1989 هم ما تعنيه فأنت خاطيء.

 أما صدام نفسه فقد تم سحبه إلى حرب عجيبة لمدة ثماني سنوات مع إيران، ثم أندفع في مغامرة غير محسوبه في الكويت عندما صار قوة محتملة لموزانه القوة الصهيونية في المنطقة، وكان فيها هلاكه، حتى الجيش الذي كان مصنفا في الترتيب العالمي في عام 1989 أختفى في ظروف غامضة صبيحة 21 مارس 2003، فلم يدافع صدام ولا غيره عن فلسطين وأن كان قد حدث فإنما كان دفاعا عن أرض العراق المستهدفة من الدولة الصهيونية والغرب الصهيوني بزعامة أمريكا فلا ندعي ما ليس لنا. 

مصر لم تدافع عن فلسطين

يطيب للكثيرين من المصريين أيضا الإدعاء أن مصر دفعت الكثير من أجل القضية الفلسطينية، وكعادة المصريين يجيدون الذهاب للماضي للتفاخر، فمصر التي تمنع الغذاء والدواء والشراب عن غزة يتدافع بعض أبناءها ليقولوا " لقد ضحينا من أجل فلسطين" 

الواقع أن الجملة ما يعقبها أيضا مثيرة للدهشة والعجب فمصر لم تدافع عن فلسطين بل دافعت وستدافع مستقبلا عن أمنها القومي، حدث هذا في حرب 1948 تلك الحرب التي خضتها سبعة جيوش عربية وكان نتيجتها أن العصابات الصهيونية احتلت 78% من أرض فلسطين، وفي العدوان الثلاثي 1956 دخل الجيش الصهيوني إلى سيناء واحتلها بالاتفاق مع بريطانيا، وفرنسا، إذن الكيان الصهيوني هاجم أرض مصرية واحتلها، وفي حرب يونيو/ حزيران 1967 كان الهجوم الصهيوني على قلب مصر مطاراتها العسكرية وتم احتلال سيناء إذن في كل المعارك كان الكيان الصهيوني هو من يهاجم أرض مصر ويحتلها، ولم تكن مصر أبدا في موقع الهجوم عليه، وهو فرض عين عليها. 

نعم كان الخطاب القومي العربي الناصري داعما للقضية الفلسطينية، وكانت مصر عبد الناصر تعتبر فلسطين قضيتها لأن عبد الناصر كان يدرك أمن مصر القومي من أين يبدأ وأين ينتهي، يدرك أن كل حملات الاستعمار والاحتلال من الهكسوس، للتتار، المغول، وحتى الاحتلال الإنجليزي جاء مصر من الشرق، فلسطين هي بوابة مصر وعمق أمنها القومي الذي يبدأ من العراق شرقا وينتهي في الجزائر والمغرب غربا، ومن منابع النيل، واليمن جنوبا حتى ساحل المتوسط شمالا. 

هذا ما أدركه جمال عبد الناصر منذ بداياته لذا كانت  فلسطين قلب مصر ولا مصر بدون حرية وتحرير فلسطين، أنما لم تدخل مصر حربا من أجل فلسطين حتى الآن، وعندما جاءت حرب أكتوبر كانت استعادة لأرض مصرية محتلة ولم تكن دفاعا عن القدس ولا الضفة الغربية ولا غزة، حينما ترأى لبعض القيادات العسكرية احتمالية مواجهة مع الكيان قرب حدود فلسطين كانت الصدمة الكبرى بإيقاف الحرب والتفاوض مع الكيان الصهيوني عبر الوسيط (الشريك) الأمريكي بعد أيام من معارك أكتوبر العظيمة، ثم أعلن من طرف واحد أن أكتوبر أخر الحروب في تسليم مذل للعدو، فقد تم إلقاء السلاح على الأرض ورفعت راية بيضاء في قلب الانتصار وفي مفاوضات أبكت القادة العسكريين المصريين. 

عندما تلقى الدولة أهم عوامل قوتها وجيشها على الأرض يتمكن العدو من كل الأدوات فلا دولة بلا  جيش قوي يحميها الأرض والشرف، وبلا مقاومة للاحتلال بدون سلاح فدونه الشهادة، ولا يحق لأحد أن يطالب مقاومة دولة محتلة أن تلقي سلاحها وتذهب إلى أوهام التحرير فلا تحرير بدون القوة.

 مصر حينما أقدمت على خوض حروب على جبهتها الشرقية كانت تدافع عن نفسها، وحين أعلنت أن حربها في أكتوبر/ تشرين الأول أخر الحروب سمحت لعدوها أن يتمدد في مصر شرقا وغربا، ولا يستطيع مصري عاقلا أن يدعي أن حروبنا كانت دفاعا عن غزة أو فلسطين وأن كان هذا فرض عين علينا كمصريين وعرب ومسلمين، وهو في ذات الوقت دفاعا عن أنفسنا، كما ذهبنا إلى اليمن دفاعا عن أمننا القومي، وذهبنا إلى الجزائر وحتى مساعدات مصر لكل حركات التحرر في إفريقيا والعالم كانت من هذا المنهج وهو المنهج الصحيح. 

الآن تقف غزة وحيدة محاصرة تدافع عن شرف هذه الأمة عربية كانت أو إسلامية، تقف غزة رغم التدمير، رغم حصار الأخوة، رغم عجز الشعوب العربية والإسلامية عن دعمها لا للدفاع عن نفسها ولا أهلها الذين يسقطون على مدار الساعة شهداء بالعشرات والمئات، ولا عن مدارسها وجامعاتها، مساجدها، مبانيها التاريخية، بل عن تاريخ ومستقبل هذه الأمة.


رغم الخذلان الكبير لا تزال غزة تدافع عنا جميعا، ورغم الخذلان لا يزال أبناء غزة يدفعون الدم ضريبة عن أمة الخذلان والتخاذل، لا يزال الدم يجري نهرا في غزة ليكتب تاريخا جديدا لأمة انهكها الكلام، السلام (الاستسلام) والتطبيع مع كيان لقيط يربي أطفاله أن كل هذه الجغرافيا هي وطنهم، وعلى الطرف الآخر أمة غارقة في أوهام تبحث ليل نهار عن ملاهي لتعيش فيها الأوهام، لم يدافع أحد عن فلسطين وغزة لأ أمس ولا اليوم، بل غزة هي التي تدفع عنا جميعا ضريبة الدم والمقاومة. 

المصدر : الجزيرة مباشر نت 

تعليقات