حسن مدبولي يكتب : إكذوبة التعويم والدعم


في الفترة الأخيرة، كَثُر الحديث عن "تعويم جديد" للجنيه المصري، مصحوبًا بتحليلات وتكهنات واسعة حول الآثار المحتملة، إلى جانب تكرار مستمر لمصطلحات اقتصادية مثل "رفع الدعم عن المحروقات"، مع الإشارة إلى وجود اتجاه لإنهائه تمامًا قبل نهاية العام الجاري.

لكن الحقيقة أن هناك خلطًا واضحًا بين مفهومي "التعويم" و*"التخفيض"، وكذلك بين الدعم الحقيقي والدعم المزعوم*، وهو خلط يؤدي إلى تضليل الرأي العام وتبرير سياسات اقتصادية قد تكون في غير صالح المواطن.

أولًا: التعويم ليس تخفيضًا

التعويم هو سياسة نقدية تعني ترك سعر صرف العملة يتحدد بحرية كاملة بناءً على آليات السوق (العرض والطلب)، دون تدخل مباشر من البنك المركزي.

بالتالي، لا يكون هناك سعر صرف رسمي أو ثابت، وقد ترتفع أو تنخفض قيمة العملة وفقًا للظروف الاقتصادية، كحجم الصادرات، التدفقات الدولارية، السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج.

ومن المهم أن نؤكد أن التعويم لا يعني بالضرورة انخفاض قيمة العملة، بل يمكن – نظريًا – أن ترتفع قيمتها إذا تحسنت المؤشرات الاقتصادية.

أما التخفيض، فهو قرار إداري تتخذه الدولة أو البنك المركزي لتقليل قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، ويأتي غالبًا لتحقيق أهداف مثل تشجيع الصادرات، تقليل الواردات، الحد من العجز التجاري، أو تلبية شروط جهات دولية كصندوق النقد.

والتخفيض عادة ما يكون مصحوبًا بآثار تضخمية فورية، ويمس القوة الشرائية للمواطن بشكل مباشر.

فالحديث عن "تعويم جديد" غير دقيق. فالتعويم – نظريًا – مطبق منذ سنوات، ولم يتم التراجع عنه رسميًا.

لكن ما يحدث حاليًا هو تخفيض تدريجي وممنهج  لقيمة الجنيه المصري، يتم تحت غطاء "الإصلاح الاقتصادي"، مع بقاء تدخل الدولة مستمرًا في سوق الصرف.

وهذا التوجه يناقض مفهوم التعويم الكامل، ويؤكد أن ما يجري هو تخفيض إرادي وليس تعويمًا حرًا.

ثانيًا: الدعم المزعوم للمحروقات

أما على جانب الدعم، فيُطرح حاليًا حديث متكرر عن "رفع الدعم عن المحروقات"، على الرغم من أن أسعار النفط عالميًا قد شهدت انخفاضًا ملحوظًا.

وفي الظروف الطبيعية، عندما تنخفض أسعار البترول عالميًا، من المفترض أن تنخفض أسعار المحروقات في السوق المحلي، أو على الأقل، أن تتراجع قيمة ما تسميه الحكومة "الدعم"، نظرًا لانخفاض التكلفة الأساسية.

لكن ما يحدث فعليًا إنه يتم تخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار،

وبذلك ترتفع التكلفة المحلية لشراء برميل النفط، رغم انخفاض السعر العالمي.

مثال توضيحي:

إذا كان سعر برميل البترول 80 دولارًا، وسعر الدولار 50 جنيهًا، فإن تكلفة البرميل محليًا = 4000 جنيه.

لو انخفض سعر البترول عالميًا إلى 60 دولارًا، يفترض أن تنخفض التكلفة المحلية إلى 3000 جنيه.

لكن إن تم تخفيض الجنيه ليصبح الدولار بـ80 جنيهًا، فسيرتفع سعر البرميل محليًا إلى 4800 جنيه، رغم انخفاضه عالميًا!

وهكذا، بدلاً من انخفاض أسعار المحروقات، نشهد ارتفاعًا مصطنعًا، ثم يتم تسويقه على أنه "عبء دعم يجب إزالته"، رغم أن الواقع يُشير إلى غياب أي دعم حقيقي.

الخلاصة أن التعويم الحقيقي يختلف تمامًا عن التخفيض الإداري للعملة، وما يُمارس حاليًا هو تخفيض وليس تعويم.

كما أن الدعم المزعوم للمحروقات مجرد انعكاس لسوء إدارة سعر الصرف، وليس دعمًا فعليًا تتحمله الدولة.

فالتلاعب بالمفاهيم الاقتصادية يؤدي إلى خلق مبررات وهمية لرفع الأسعار، وتحميل المواطن أعباءً إضافية دون مبرر موضوعي

تعليقات