العمل الدرامي التركي فاتح القدس (صلاح الدين الأيوبي) أحد أهم الأعمال التركية الدرامية التي حازت على اعجاب المشاهد العربي والتركي منذ بدء تقديمه على شاشة T R T نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 وقد شهد الموسم الأول تألق كبير لطاقم الكتابة، الإخراج والتمثيل، وبما يقدمه من قيمة فكرية وتاريخية كبيرة خاصة أن موسمه الأول تزامن مع انطلاق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول لنفس العام، وقد استمر العمل حتى الآن في تقديم حلقاته التي تحكي فترة هامة في التاريخ الإسلامي والحروب التي خاضها السلطان نور الدين زنكي، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي من أجل تحرير القدس والمسجد الأقصى من الاحتلال الصليبي.
الاختبار الأسبوعي للمشاهدات
فاتح القدس هو أحد ثلاثة أعمال تاريخية تقدم على شاشات التليفزيونات في تركيا، فقد بدأ معه في نفس الموسم مسلسل (سلطان الفتوحات) محمد الفاتح الذي يستمر للموسم الثاني له أيضا، ومسلسل المؤسس عثمان، وفي رمضان الماضي عرض التليفزيون الحكومي التركي مسلسل عن حياة أحد شيوخ الصوفية الذي زامن تاريخ فتح القسطنطنية وهو مسلسل سلطان وفا، وهو المسلسل المقطوع جزءا واحدا.
بنظرة دراميا يقع سلطان الفتوحات بجزئية كأحد الأعمال التاريخية الأطثر دقة والتزاما بالتاريخ، ويليه فاتح القدس، بينما أخذ على المؤسس عثمان في موسميه الخامس والسادس التطويل في الأحداث وأحيانا إعادة نفس المعارك بشخصيات مختلفة مع عثمان، الجديد أن فاتح القدس معرض للتوقف بعد الحلقة 54 منه رغم عدم اكتمال الأحداث حتى الآن بعد تدني نسب المشاهدة في الحلقات الأخير إلى أقل من 3/ 10 علر جميع المستويات.
يعتمد استمرار الأعمال في تركيا على نسب المشاهدة خلال عرض الأعمال ساعة تقديمها على الشاشة، وهذا النسبة تحسب أسبوعيا فإذا تخطي العمل نسبة معينة استمر بالطبع ارتفاع نسبة المشاهدة (الريت) يعني ارتفاع عدد الإعلانات خلال العرض وقبله وبعد أي أن العمل يحقق نجاحا تجاريا وعائدا ماديا، والملاحظة المؤكدة خلال الأسابيع الماضية هي انخفاض نسب المشاهدة للأسف الشديد في الأعمال الثلاثة التاريخية، وقد شهدت عدة أعمال من قبل عدم استطاعتها الصمود أمام نسب المشاهدة مما أدى إلى توقفها عن العرض لعل أهمها أعمال عبد القادر الجيلاني، محمود هدائي، المتشرد، وأخطر هذه الأعمال كان مولانا جلال الدين الرومي فلم تستطيع هذه الأعمال الصمود أكثر من عشرة حلقات.
الأسبوع الماضي جاءت سبعة أعمال أجتماعية متصدرة نسب المشاهدة فتصدر مسلسل (المدنية البعيدة) القائمة وهو مسلسل أجتماعي يحكي عن قصة عشائر الحدود في ماردين بغرب تركيا، وهو النسخة التركية من العمل الدرامي اللبناني (الهيبة) الذي قدمه تيم حسن في خمسة أجزاء، ثم شراب التوتن وبعده المتشردون وهو مسلسل أحتماعي يدور في حارة تركية، بينما احتل المؤسس عثمان المركز الثامن، وسلطان الفتوحات المركز التاسع بنسبة أقل من 10/6 مما يجعل العملين عرضه للتوقف رغم التميز الشديد خاصة في محمد الفاتح سلطان الفتوحات.
اسباب تدني المشاهدة؟
التساءل الذي يطرح نفسه إذا كانت هذه الأعمال وغيرها من الأعمال التي توقفت تقدم أعمالا ذات مضمون فكري وتاريخي متميز فما هي اسباب تدني نسب مشاهدتها؟ مسلسل فاتح القدس شهد الجزء الأول تألق كبير ثم أنخفض الريت في الموسم الثاني وهذا ناتج لغياب العديد من أبطال العمل وقد كان غياب الممثل التركي محمد على شمس الذي أدى دور نور الدين زنكي عامل أساسي بانتهاء دوره التاريخي ولما تمتع به من حضور عالي، وكذلك دور الملا عمر، وعدد أخر من الشخصيات التي غيبت عن الأحداث ربما لانشغال الممثلين بأعمال أخرى، فالأعمال تصور اسبوعيا وإذا عرض على أحد الممثلين عملا أخر يقوم فريق الكتابة بتغيير الأحداث لإنهاء الدور باستشهاد الشخصية أو وفاتها، أو أن تقوم الشخصية برحلة خارج الأحداث وهو ما كان في دور زوجة السلطان نور الدين وأم أبنه إسماعيل والتي هي الزوجة الثانية لصلاح الدين الإيوبي تاريخيا فهي حتى الآن خارج الأحداث.
ظهرت مسألة غياب الأبطال وبالتالي انتهاء أدوراها بوضوح في مسلسل عثمان فالبطلة الثانية السلطانة مالهون كانت حامل ومنذ أن وضعت حملها لم تعد إلى العمل ويبدو أن خلافا حدث مع فريق الإنتاج والإخراج، تكرر هذا الخروج الغريب مع عديد من الشخصيات وخاصة مجموعة الأبطال التاريخية مثل كونور الذي انتقل لمسلسل فاتح القدس، توغورت، وكوسيس الذي قام بعملين أخرين خلال الموسم السادس لعثمان، وهي شخصيات ساهمت مع عثمان في تأسيس الدولة، ويقوم المؤلف بعمل سيناريو كسفر الشخصية إلى أحد القلاع حتى ينتهي من دروه في العمل الأخر أو ينهي أعماله الخاصة وظهر هذا أيضا بوضوح مع مؤدي شخصية شهاب الدين في مسلسل سلطان الفتوحات فالمسلسل أنشغل فقام السلطان بارساله إلى مكان خارج الأحداث.
اتضح من خلال نسب المشاهدة اهتمام مشاهدي القنوات التركية بالأعمال الاجتماعية وصراع الدراما الاجتماعية والحضور الدائم للشخصيات النسائية والعلاقات الرومانسية والأعمال التي تقترب من الحالة التركية الحالية، صراع رجال الأعمال، النتافس بينهم، قصص الحب، ويبدو هذا سببا في استمرار مسلسل المؤسس عثمان حتى الموسم السادس ويقترب الآن من مائتي حلقة أي ما يقارب 500 ساعة درامية فهناك مساحة كبيرة للشخصيات النسائية ومشاركتها في المعارك، وقصص الحب وعلاقة زوجات الأبناء مع بالا زوجة عثمان، ورغم وصول المسلسل للمركز الثامن إلا أنه لازال مهددا بالتوقف؟
هل تتدخل الدولة؟
هذه الأحداث اختفت في الموسم الثاني لفاتح القدس فالشخصيات النسائية ليست عنصرا رئيسا في الأحداث عكس الموسم الأول الذي شهد صراع زوجات نور الدين زنكي، علاقة حب لصلاح الدين مع بنت حاكم عسقلان، علاقات الصراع بين أبناء نجم الدين أيوب، صراع نور الدين مع أشقائه، فكانت الأحداث ساخنة، أيضا اختفاء شخصية ملك مملكة القدس أمالريك والعديد من الشخصيات التي لعبت أدوار الفرسان الصليبية.
في مسلسل سلطان الفتوحات الذي جاء في المركز التاسع في الأسبوع الأخير اصبحت الشخصيات النسائية وصراعها في الموسم الثاني شبه هامشية، فهل أثر ذلك على العملين الكبيرين واللذان يتمتعان بنص درامي مكتوب بحرفية عالية جدا بل نستطيع أن نقول أن فاتح القدس وسلطان الفتوحات أهم نصوص تاريخية حتى الآن ربما ينافسهما المسلسل الذي يعتبره الأتراك والعرب قمة الدراما التاريخية (أرطغول)
الأعمال التاريخية التركية انتجت وازدهرت برعاية شركات إنتاج تركية مرتبطة بالحكومة التركية خاصة الشركة المنتجة لهيئة التليفزيون التركي، وهذا الأمر طبيعيا فالإنتاج الخاص لا يتهم كثيرا بمثل هذه الأعمال التاريخية أو المرتبطة بالصوفية والشخصيات الدينية.
توغل الإعلان على كل الأعمال التي تنتج في تركيا ومن هنا جاءت الاعتماد على نسب المشاهدة (الريت) في تحديد الاستمرار من عدمه وقد كان توقف الجيلانين ومولانا جلال الدين الرومي نتيجة واضحة لذلك وها هو المشاهد مهدد بتوقف فاتح القدس، سلطان الفتوحات، والمؤسس عثمان الذي ما زال يقاوم في موسمه السادس رغم عيوب السيناريو لكنه ليس بعيدا عن خطر التوقف، لذا فإن هذه الأعمال تحتاج دعما حكوميا دائما وربما دفعا من جهات إعلانية مرتبطة بها في ظل توسع كبير للقطاع الخاص في دعم الأعمال الأكثر مشاهدة، فهل تستطيع الحكومة والشركات المقربة منها دعم ذلك؟ أم تصبح الأعمال الكبرى ذات القيمة التاريخية تحت مقصلة نسب المشاهدة؟
المصدر : الجزيرة مباشر نت
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق