في الفترة الأخيرة، نشهد حملة إعلامية مشبوهة يقودها بعض الإعلاميين في مصر ضد الأطباء، يحاولون من خلالها تصويرهم كمجموعة انتهازية، تقدم مصالحها الشخصية على مصلحة الوطن والمواطن، مستغلين ظاهرة هجرة عدد كبير من الأطباء للعمل بالخارج، وكأن هؤلاء الأطباء تخلوا عن مرضاهم لصالح "الأجنبي"!
المؤسف أن بعض المواطنين ممن يصفون أنفسهم بـ"الشرفاء" انضموا إلى هذه الحملة، وبدأوا في اتهام الأطباء بالخيانة، بينما لم نرَ منهم حماسة مماثلة لمحاسبة من دمروا منظومة الرعاية الصحية المجانية، أو من حاصروا المستشفيات العامة، وقطعوا عنها الإمدادات الطبية الأساسية، بل وفتحوا الباب أمام خصخصتها، وتركوا الأطباء برواتب زهيدة لا توازي حتى ما يتقاضاه بعض موظفي الأمن!
الأدهى أن من يقرر من الأطباء البقاء في بلده، رغم الظروف الصعبة، يجد نفسه مهددًا بالاعتداءات البدنية، والملاحقات القانونية المجحفة، دون حماية حقيقية من الدولة أو مؤسساتها.
ولعل ما يلي من وقائع يوضح حجم المأساة التي يعيشها الأطباء في مصر:
الحالة الأولى
في عام 2018، تعرض الدكتور محمد حسن، طبيب العظام بمستشفى التأمين الصحي بالعاشر من رمضان، للحبس سنة والعزل من الوظيفة مع وقف التنفيذ، بعد رفضه مغادرة قسم الطوارئ لمرافقة أحد وكلاء النيابة دون وجود بديل طبي لتغطية القسم.
ورغم أنه توجّه لاحقًا إلى النيابة بعد تأمين البديل، حرر وكيل النيابة محضرًا ضده بتهمة "تعطيل عمل النيابة"، فتم حبسه أربعة أيام قبل الإفراج عنه بكفالة 10,000 جنيه!
الحالة الثانية
في أغسطس 2024، تعرض الدكتور مصطفى مختار الشناوي، استشاري أمراض الباطنة ومقرر لجنة الفيروسات بمستشفى العبور للتأمين الصحي بكفر الشيخ، لاعتداء وحشي داخل المستشفى. بدأت الواقعة حين طلب الطبيب من أحد المرضى إجراء تحاليل ضرورية لتحديد نوع العلاج، فحدثت مشادة كلامية، استدعى المريض على إثرها بعض الأفراد من خارج المستشفى.
وما حدث بعد ذلك لا يُصدّق: اعتداء بالضرب المبرح أدى إلى كسر في الكتف، وتهتك في الأربطة، وكسر في أصابع اليد وأحد الأرجل، مما استدعى عملية جراحية وعلاجًا مطولًا لا يقل عن ثلاثة أشهر.
ورغم توثيق الواقعة بكاميرات المراقبة، فوجئ الطبيب عند ذهابه لقسم الشرطة بمحضر كيدي مُحرّر ضده من نفس المريض! بل وتعرض لضغوط هائلة للتنازل، وتهديدات طالت حتى زوجته أثناء تواجدها في النيابة، كما تداولت مواقع عدة.
هاتان الواقعتان – وهما مجرد مثالين من كثير – تكشفان مدى التقدير الذي يلقاه الأطباء في بلدهم، والمناخ الذي يُنتظر منهم أن يؤدوا فيه رسالتهم السامية!
فمن يا ترى... حقًا "خان" هذا الوطن؟ الطبيب الذي هاجر مضطرًا؟ أم من دفعه للهجرة؟
اللي اختشوا... فعلاً ماتوا
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق