حسن مدبولي يكتب : الهوية العربية الإسلامية: بين التشكيك والواقع


يحاول البعض باستماتة إثبات أن المصريين قد أُجبروا قسرًا على تبني اللغة العربية، واعتناق الهوية والعقيدة الإسلامية. ويعتبر هؤلاء أن دخول الإسلام إلى مصر لم يكن فتحًا، بل "استعمارًا عربيًا"، وأن هوية مصر ليست عربية، بل إن الإسلام نفسه – في نظرهم – عقيدة غريبة وافدة من جزيرة العرب، جاءت مع عمرو بن العاص وجنوده "المحتلين".

ويرى هؤلاء أن من يعتنق الإسلام اليوم، ويتمسك بلغته العربية، ما هو إلا من نسل العرب الأجانب أو المستعمرين، وعلى أكثر الأقوال "لطفًا"، فهم مجرد "ضيوف ثقال"!

وفي المقابل، يهوى آخرون تكرار حديث ممل عن الهوية الفرعونية أو "المصرية القديمة"، زاعمين أن الإسلام قد قضى على هذه الحضارة، وفرض لغة وديانة الفاتحين "الصحراويين" العرب.

بينما  الحقيقة الثابتة والمؤكدة هي أن الديانة المسيحية – التي لم تستمر في مصر إلا قرنين من الزمان – هي التي كانت السبب الأول في طمس الثقافة الفرعونية وروافدها، فقد جُرّمت المعابد الوثنية، وأُهملت اللهجة الهيروغليفية، وحُرّم استخدام اللغة المصرية القديمة، لتحل محلها لغة الكتاب المقدس، وتُرسّخ تبعية مصر للإمبراطورية الرومانية، حيث أصبحت البلاد تورد القمح وتدفع الجزية للأجنبى الرومانى !

ومع كل ذلك، لا يجرؤ أحد من هؤلاء المشككين من الطرفين أن يشرح لنا ماهية البديل الحضاري الذي يُفترض أن يعود إليه المصريون اليوم كي يكونوا "أصحاب البلد الأصليين"!

هل يريدون منا العودة إلى عبادة حورس ورع وآمون؟ هل نقدّس الفراعين والقطط السوداء من جديد؟

أم ترى أنهم يطمحون إلى تكرار تجربة الأندلس، فيتخلّى المصريون عن هويتهم العربية الإسلامية، ويعتنقون المسيحية أو اليهودية، كي "يستريح البعض"، و"ينفتح باب السلام والمحبة" مع العالم!

أفهمونا... ما الذي ينبغي على الغالبية الساحقة من المصريين فعله إذن؟

هل المطلوب أن نتنكر لهويتنا، ونكفر بثقافتنا، وننقلب على لغتنا وتاريخنا، كي نرضي فئة لا تملك مشروعًا حضاريًا حقيقيًا، سوى النكوص إلى الماضي، أو التبعية الفكرية للغرب؟

تعليقات