في الذكرى السابعة والسبعين لنكبة العام 1948 والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني الأصلاني وتهجير الغالبية الساحقة منه وتدمير المئات من بلداتنا وقُرانا من أجل إقامة إسرائيل كمستعمرة استيطانية قائمة على الفكر الصهيوني العنصري و"التفوق العرقي" اليهودي وكنظام قائم على الاستعمار الاستيطاني والاحتلال العسكري والأبارتهايد، تشارك حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وشركاؤها هذه الحقائق السبع والمطالب السبعة من أجل إسناد فعّال وحقيقي لنضال الشعب الفلسطيني ضد المشروع الاستعماري الإسرائيلي الإبادي والتوسّعي.
سبع حقائق
الحقيقة الأولى: كحال معظم المستعمرات الاستيطانية عبر التاريخ من الأمريكتين إلى أستراليا، سعى المشروع الاستعماري الصهيوني إلى القضاء على الشعب الفلسطيني الأصلاني بهدف إحلاله بالمستعمرين من أجل بناء "وطن قومي لليهود" وإقامة "دولة طبيعية". حتى الآن، فشل هذا المشروع في تحقيق هذا الهدف، فالفلسطينيون اليوم يمثّلون الأغلبية في فلسطين التاريخية، وذلك من دون حتى احتساب نصف الشعب الفلسطيني المهجَّر في المنفى القسري. بصمود ومقاومة وبسالة أسطورية لأكثر من مئة عام، تمسّك شعبنا بحقوقه غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها عودة اللاجئين وتقرير المصير والتحرر من الاستعمار برمّته.
وبعد 77 عاماً، رأى العدو الإسرائيلي في صعود حلفائه الطبيعيين إلى السلطة، أي القوى الفاشية في الولايات المتحدة والغرب الاستعماري، اللحظة الأنسب لتنفيذ ما يسميه قادته "نكبة غزة" والقضاء على من تبقى من الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال الإبادة الجماعية وتسريع عملية التطهير العرقي المستمرة. بهذا، لم تكن إسرائيل أبعد عن "الطبيعية" أكثر من يومنا هذا.
الحقيقة الثانية: بدعم وتسليح وتمويل غربي استعماري تقوده الولايات المتحدة، ترتكب إسرائيل جريمة إبادة جماعية بحق 2.3 مليون فلسطيني في غزة، من خلال القتل والتجويع والتهجير القسري وتدمير قطاع غزة المحاصَر والمحتل وحضارته التي تبلغ 4,000 عام. في الوقت ذاته، تصعّد عدوانها الوحشي في الضفة الغربية المحتلة، مدمّرةً مخيمات اللاجئين لتهجّر من جديد عشرات الآلاف من لاجئينا.
وما كان لهذا العدو أن يتمادى في عدوانه الوحشي على شعبنا لولا خيانة وتطبيع وتواطؤ بعض الأنظمة العربية الاستبدادية والنخب التابعة لها، والتي تجاوز بعضها التطبيع إلى حد التحالف العسكري-الأمني مع أعداء الأمة ومصالح شعوبها، ممّا فاقم من هول الكارثة التي تحلّ بشعبنا الفلسطيني خاصة وشعوب المنطقة العربية عامة.
لم يقف التواطؤ عند الدول، بل شمل الشركات والمؤسسات – بما في ذلك الجامعات والأطر الرياضية والثقافية – التي رسخت الدعاية الصهيونية أو واصلت تعاملاتها مع إسرائيل أو مع مؤسسات وشركات متواطئة بعمق في جرائمها ونظامها القائم على الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد. كما شمل التواطؤ العديد من وسائل الإعلام وشركات التواصل الاجتماعي التي ساهمت في التحريض على الإبادة الجماعية وتبريرها. لا بدّ من محاسبتها جميعها على ذلك.
الحقيقة الثالثة: يواجه الاقتصاد الإسرائيلي "دوامة من الانهيار"، باعتراف 130 من كبار اقتصاديّيه. ومن أبرز المؤشرات على ذلك: "هجرة الأدمغة" غير المسبوقة؛ وانهيار قطاع التكنولوجيا وارتفاع البطالة فيه؛ وتراجع الاستثمارات الأجنبية؛ وتدني التصنيف الائتماني إلى مستويات قريبة من الـ (Junk)، بمعنى الخردة؛ وذلك حسب وكالة موديز. واليوم، يصنّف العديد من المستثمرين إسرائيل كـ"دولة الشركات المغلقة"، وهي جاءت في المرتبة الأخيرة بين 50 دولة في مؤشر العلامة التجارية للدول. وضمن هذا السياق، أقر رئيس معهد التصدير الإسرائيلي بأن "حركة المقاطعة (BDS) وحملاتها غيّرت مشهد التجارة العالمي لإسرائيل".
وعلى الرغم من الاستثمارات الهائلة من جانب العدو الإسرائيلي وجماعات الضغط التابعة له في أمريكا الشمالية وأوروبا، وعلى الرغم من كافة محاولات "تلميع الصورة" من خلال الفن والبيئة والرياضة وغيرها، إلا أن إسرائيل قد فقدت قناع "الليبرالية" الدعائي هناك. إذ أن أبرز ما تصدّره اليوم هي أدوات وتقنيات الإبادة وجرائم الحرب والمراقبة الجماعية والقمع والتجسس وتزوير الانتخابات.
الحقيقة الرابعة: على الرغم من القيود الاستعمارية في آليات القانون الدولي وثغراته وهشاشته، فإن قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في عام 2024 قد أدّت إلى تفعيل التزامات قانونية على الدول والشركات والمؤسسات حول العالم بإنهاء جميع أشكال التواطؤ المباشر وغير المباشر مع النظام الإسرائيلي. وكما صرّح المسؤول الأممي السابق لحقوق الإنسان، كريغ مخيبر، فإن حكم محكمة العدل الدولية في يوليو 2024 يجعل من حركة المقاطعة (BDS) "ليس فقط واجباً أخلاقياً وحقاً دستورياً وإنسانياً، بل أيضاً التزاماً قانونياً دولياً".
الحقيقة الخامسة: بعد أكثر من عام ونصف من هذه الإبادة الأمريكية-الإسرائيلية المستمرة، تتنامى مشاعر اليأس والعجز في كثير من الأوساط، وهذا مقصود. فمن جابوتنسكي إلى نتنياهو، ومن بن غوريون إلى بن غفير، كانت الحركة الصهيونية، مع شركائها العنصريين المعادين للفلسطينيين، تسعى دوماً لاستعمار عقول الفلسطينيين وشعوب المنطقة، وكذلك عقول حركات التضامن العالمية ونشطائها، من خلال زرع اليأس.
لا يمكننا التنبؤ بلحظة التحوّل في مسيرتنا التحررية، ولكن يمكننا التأكيد أننا أقرب من أي وقت مضى، على الرغم من الكارثة التي يعيشها شعبنا ويقاومها. بذلك، فإنّ التخلي عن الأمل ليس خياراً. وعلينا مواصلة النضال المبدئي والعمل الجذري الاستراتيجي، مهما كان الثمن. فالحفاظ على الأمل وتجديد العزيمة ورسم مستقبل قائم على العدالة والكرامة هي كلها جزء من نضالنا التحرري.
الحقيقة السادسة: لقد أظهرت الإبادة الجماعية التي يرتكبها المعسكر الإسرائيلي-الأمريكي ضد 2.3 مليون فلسطيني/ة من شعبنا في قطاع غزة المحتلّ والمحاصَر حقيقة المشروع الصهيوني، الذي يعكس وحشية الاستعمار الاستيطاني والرأسمالية العسكرية والتواطؤ الغربي. وفي ذات الوقت، أصبح جليّاً بأنّ حرية الشعب الفلسطيني مرتبطة بشكل وثيق بنضالات شعوب المنطقة والعالم من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والاستقلال الناجز. واليوم، ترفع الأجيال الشابة شعار: "فلسطين تحررنا جميعاً". ليست فلسطين قضية تحرر فحسب، بل هي تجسيد لمعنى الإنسانية والأخلاق والعدالة.
إنّ العدو الإسرائيلي، الذي يحتلّ أراضي أربع دول عربية وينتهك سيادة دول أخرى تحت مظلّة الحماية الأمريكية، يسعى إلى فرض هيمنته المطلقة على المنطقة، مستخدماً التطبيع مع بعض الأنظمة العربية الاستبدادية كأداة لشرعنة وجوده وتعزيز نفوذه. ولذلك، فإنّ الوقوف في وجهه اليوم بات ضرورة وجودية لشعوب المنطقة العربية. في هذا السياق، يصبح الصمت على أطماع العدو الإسرائيلي تواطؤاً يعزز القوة الاستعمارية ويدفعها إلى التمادي في عدوانها ضد شعوب المنطقة.
الحقيقة السابعة: بينما برزت غزة باعتبارها "عدسة كاشفة" تعرّي النفاق الاستعماري وتظهر عيوب النظام الدولي القائم على "شريعة الغاب"، استعادت القضية الفلسطينية مكانتها، مدفوعةً بزخم النضال والمقاومة المتزايد، بينما انهارت سنوات من الدعاية الإسرائيلية في المنطقة التي تحاول تطبيع إسرائيل ككيان طبيعي في المنطقة، تحت وطأة الدعم الشعبي للنضال الفلسطيني.
بعد زراعة البذور وتكوين تحالفات تقاطعية واسعة وبناء توجيهات فعّالة لإنهاء التواطؤ على كل المستويات، استطاعت حركة المقاطعة وشركاؤها حشد موجة غير مسبوقة من الإسناد الاستراتيجي الفعّال: من تصعيد حملات المقاطعة الشعبية في المنطقة، إلى الاحتجاجات الجماهيرية، وتعطيل الأعمال المتواطئة، لا سيما العسكرية، إلى الحملات المنسّقة ضد نقل السلاح والوقود، والاعتصامات الطلابية، والدعم المتزايد للمقاطعة الأكاديمية، إلى جانب انضمام مئات المؤسسات الثقافية وعشرات الآلاف من الفنانين والكتّاب إلى المقاطعة الثقافية، وغيرها الكثير.
سبعة مطالب
عندما لا يقود حرق الفلسطينيين وتجويعهم وتهجيرهم إلى تحريك العالم لوقف هذه الإبادة، لا تكون غزة فقط "مقبرة للأطفال" و"مقبرة للقانون الدولي"، بل أيضاً مقبرة للمبادئ الأساسية التي تقوم عليها إنسانيتنا.
تأكيداً على حتميّة استمرار المقاومة وتجذّر النضال ضد نظام العدو الإسرائيلي في فلسطين والمنطقة، واستلهاماً من صمود ونضال شعبنا الفلسطيني الأسطوري في وجه المعسكر الأمريكي الإسرائيلي الإبادي، واستمراراً للغضب الشعبي الذي عبّرت عنه التظاهرات الضخمة التي جابت شوارع المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج؛
ومن أجل إنهاء الإبادة الجماعية الأمريكية-الإسرائيلية، والمساهمة في تفكيك نظام الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد؛
ندعو النشطاء والحركات الشعبية والأحزاب والمجموعات والمنظّمات التقدّمية لتفعيل دورها من خلال تكثيف الضغط على:
الأمم المتحدة والمنظمات الدولية: لطرد إسرائيل من الجمعية العامة للأمم المتحدة والفعاليات الرياضية الدولية (الأولمبياد، الفيفا، اليويفا، إلخ)؛ إعادة تفعيل اللجنة الخاصة لمناهضة الأبارتهايد؛ وإنهاء العقود الأممية مع الشركات المتواطئة، بما فيها شركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت، وغوغل، وأمازون.
الدول: لـ"إلغاء أو تعليق العلاقات الاقتصادية، واتفاقيات التجارة، والعلاقات الأكاديمية مع إسرائيل التي تساهم في إدامة نظامها الاستعماري القائم على اضطهاد الشعب الفلسطيني، وكذلك "فرض حظر شامل على الأسلحة يشمل كافة الاتفاقيات والتحويلات والواردات والصادرات، بما فيها المواد مزدوجة الاستخدام"، كما طالب خبراء حقوقيون في الأمم المتحدة. وتشمل التزامات الدول أيضًا التحقيق وملاحقة الإسرائيليين أو غيرهم ممن يشتبه بتورطهم في ارتكاب جرائم، من جنود جيش الاحتلال أو أعضاء في الحركات الاستيطانية، كما طالبت منظمة العفو الدولية.
الحكومات الإقليمية والمحلية (بما فيها البلديات): تبني دور فاعل في مناهضة التطبيع ووقف التعاون مع المؤسسات المتواطئة، وممارسة الضغط، وسحب الاستثمارات، واستبعاد الشركات المتواطئة من العقود، وتبني سياسات شراء أخلاقية، حيثما أمكن، وتبني سياسات استثمار أخلاقية تستثني الشركات التي تتربّح من هذه الجرائم.
النقابات والجمعيات المهنية: لترجمة الموقف الشعبي ومواقف الجمعيات والنقابات الأهلية المعلنة إلى ضغط حقيقي على الحكومات والشركات والمؤسسات، بما في ذلك الاضطلاع بدور فاعل في مناهضة التطبيع، وسحب الاستثمارات والتعطيل الشعبي المدروس، وضمان عدم تورط العمال في جرائم الإبادة أو الاحتلال أو الأبارتهايد.
المؤسسات الأكاديمية والثقافية: مناهضة التطبيع وقطع جميع أشكال التعاون مع المؤسسات المتواطئة؛ وسحب الاستثمارات من الشركات المتورطة؛ وتبني قواعد أخلاقية للعلاقات المهنية والمؤسسية.
الشركات المتواطئة: لإنهاء تواطؤها في الجرائم التي يرتكبها النظام الإسرائيلي، من خلال الاستجابة لمطالب المؤسسات، وتصعيد حملات المقاطعة الشعبية ضد الشركات التي تستهدفها حركة (BDS).
الأطر المدنية والسياسية والمنظمات القانونية ومنظمات حقوق الإنسان: للتحقيق في الجرائم ومساءلة الشركات، والضغط على السلطات القضائية لملاحقة الإسرائيليين أو ذوي الجنسيات المزدوجة أو الأفراد الدوليين المتورطين أو المحرّضين على جرائم دولية ضد الفلسطينيين.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق