بينما سيف بايجو نويان القائد المغولي على رقبة القائد الشجاع السلجوقي سنان قائد قلعة أرضروم القوية بعد انهيار أسوارها فجأة سأله بايجو : ها هي القلعة التي قلت أنك لن تسلمها تحت حكمي، وها أنت تحت سيفي فهل لك طلب قبل أن تموت؟ أجابه صاحب الرأس المرفوع تحت سيوف جيش المغول الدموي : لي سؤال وطلب أما السؤال فهو كيف تحطمت أسوار القلعة وانهارت من الداخل؟ أجابه بايجو : الخيانة القائد الشجاع هو من يبني أسوار قوية يثق بها عليه أن يختار قادة أقوياء يثق بهم ولا يخونون.
الخيانة خلفك
ساله سنان : من؟ أجابه بايجو : دافوني، أنهارت الدنيا تحت قدم الفارس الشجاع سنان، دفواني هو نائبه وأقرب قواده له ومحط ثقته داخل القلعة الحصينة التي يعتبرها سلطان السلاجقة في قونيا خط دفاعه الأول عن مملكته وقد اختار قائدها المخلص سنان من بين قواده، وسقوطها تعني طريقا مفتوحا أما دولته، وكانت الثقة في أسوارها وقائدها بلا حدود، فكيف؟ وبعد معركة قوية تكبد فيها المغول 4000 قتيل ومثلهم مصابين، وأيقن بايجو أنه مهزوم لا محالة خاصة بعد وصول أمدادات السلطان غياث الدين كيخسرو التي خرجت من قونيا، ولكن كان لدفواني رأي أخر فقد تواصل مع نويان وقدم له عرضه : أفتح لك أبواب القلعة وأصبح حاكمها تحت أمرتك، وكأنها نجدة لنويان الذي كان موقن بعدم قدرته على فتحها والمضي نحو قونيا.
أجاب نويان على سؤال القائد الذي لم يستسلم حتى بعد انهيار الأسوار بفعل السحر الأسود وهو تراب مشرب الجاز يشتعل فتصبح الأحجار رماد، تملك الغضب قائد القلعة الذي نظر حوله فوجد دفواني ينتظر مكافأة الخيانة، سأل بايجو : ما هو طلبك الأخير؟ أجابه أريد أن اتطهر وأصلي لعل الله يقبل شهادتي.
عدة مشاهد قصيرة في العمل الدرامي التركي مولانا جلال الدين الرومي ويتناول حياته في قونيا وقصة لقاءه مع مرشده ونصفه المكمل لحالته الروحية شمس الدين التبريزي، وقد شاهدت الموسم الأول لها منذ عامين وقدمت قرءاة له ولرواية أليف شفق (قواعد العشق الأربعين) عن اللقاء بين الرومي والتبريزي، وقد حاولت خلال العامين الوصول إلى الجزء الثاني من العمل ويقع في عشر حلقات مدتها عشر ساعات ولم أحصل عليها وفؤجئت بالجزء الثاني على أحدى المنصات التليفزيونية فالتهمته في ليليتين وبدأت أعيد قراءة العمل الذي لم يكتمل حتى الآن لغياب الجزء الثالث، ومشاهدته مرة أخرى.
الجيد في الأعمال التاريخية التركية التي تتناول سير أئمة الصوفية وشيوخها الكبار هو تقديمها للأحداث التاريخية السياسية المحيطة بالشخصية الصوفية ولا تهمل الجانب المعنوي الذي تقدمه الشخصية الصوفية لجيوش الدولة الأسلامية (السلجوقية) سواء في معاركها من أجل الفتوحات أو من أجل مواجهة خطر المغول القادم من الشرق.
في حلقات الموسم الثاني من مولانا جلال الرومي تأتي معارك كيخسرو مع جيش المغول من أجل الدفاع عن قونيا، وكانت نهايته صلحا مع المغول بسبب تخلي أمراء الولايات عن دعم السلطان السلجوقي تحت زعم دموية المغول والحفاظ على الشعب وممتلكاته، والواقع التاريخي أن المغول كانوا لا يتوانون في تدمير وأحراق المنازل والأرض ولا يرأفون بالشعب أطفالا ونساءا، وفي الجزء الثاني ظهرت شخصية أرطغول بن سليمان شاه، الذي جاء من قبيلته الكايي غربا على حدود الأمبراطورية البيزنطية لمساعدة كيخسرو ضد المغول، وظهرت شخصية الشيخ أديب على والد السلطانة بالا زوجة عثمان ابن أرطغول مؤسس الدولة العثمانية، وكانت حلقات العملين (أرطغول) و(المؤسس عثمان) إتاحة كبير لدور أديب على وطريقته الصوفية على طريق الرومي.
أرضروم ولاية تركية الأن تقترب من الحدود الغربية على خريطة تركيا، وبعدها أيضا ولاية قونيا (الروحية) التي تنتشر فيها السياحة الدينية والروحية وعي تبعد كثيرا عن أنقرة العاصمة (أرض الأناضول) وعلى بعد منها إسطنبول ( القسطنطنية القديمة) التي كانت عاصمة الأمبراطورية البيزنطية وفتحها السلطان محمد الثاني الملقب بالفاتح، والدراما التركية تهتم كثيرا بتقديم هذا التاريخ المشتبك بين بناء الدولة منذ عهد الدولة السلجوقية التي كانت تتبعها القبائل التركية وحتي اكتمال الدولة العثمانية، أكثر من عشر مسلسلات تتناول الوقائع التاريخية ومعادلها الروحي منذ آلب أرسلان، أرطغول، حريم السلطان، السلطان عبد الحميد، المؤسس عثمان، خير الدين بربروس، مولانا جلال الدين، الفتح العظيم، يونس آيمره، سلطان وفا، حاجي بيرم، وأخيرا سلطان الفتوحات، وتتضافر القوة العسكرية المؤمنة مع القوة الروحية.
رئيس القضاء دفواني جديد
لم يكن حادث دفواني الذي خان قائده أسد الدين سنان عارضا في الدراما التركية بل أن وجود أمثاله يكاد يكون مكونا رئيسا في التاريخ وعرضه كحدث عابر في حلقتين من خلال الرومي لأن هناك دفواني أخر في العمل وهو شخصية (شمس الدين أصفهاني) رئيس القضاء لدي غياث الدين خسرو وأقرب مجلسه السلطاني إليه ورغم أن رأي أغلب المجلس تكون ضد رأي اصفهاني إلا أن السلطان دائما ما ينفذ رأيه! غالبا هي حالة يمر بها أغلب السلاطين والرؤساء في التاريخ، يحبذ دائما الملوك والرؤساء من يزيف لهم الحقائق وينفخون في ذواتهم ويعجلونهم دائما الأفهم، الأقدر، الأعظم فكرا وتوجها، هكذا كان الاصفهاني رئيس القضاء لكيخسرو.
الوزير، قائد الجيش (عمر أتابك) ونائب السلطان (كايمار) يقفون معا في طرف يقدمون النصيحة المخلصة بقرار ما بل ومعهم مولانا جلال الدين الرومي لقرب الثنائي الأول منهم والذي يعتبر سلطان قلوب الشعب، وعلى الطرف الأخر يوسوس اصفهاني الذي يطمع في كرسي السلطنة برعاية مغولية في طرف، فيميل السلطان لطرف الطامع ويهمل الطرف الأكثر عددا وصدقا، يجره الاصفهاني لهزيمة منكرة أمام المغول، وتتعرض حياته للخطر على يد أقرب ضباط الجيش للأصفهاني، بل تتعرض زوجته وولي عهده للقتل عن طريق السم في وجود الاصفهاني فقط في القصر، وبعد عودته متنكرا يلعب الاصفهاني ليقنعه أن أمين الخزانة هو من تأمر عليه.
تستمر الشكوك من كل أطراف الدولة حول رئيس القضاء الخائن ويقدم للسلطان دلائل على الشكوك لكن السلطان لا يريد أن يصدق يبدو أن ينتظر لحظة النهاية فيكتشف الخيانة واصفهاني يضع الحنجر في قلبه فيصرخ الصرخة الشهيرة (حتى أنت يا بروتس) أنهم لا يقرأون ولا يتفكرون إلا حينما يأتي عميل لينهي الدولة التي عاشت مئات السنين تذكروا لحظة تنازل السلطان عبد الحميد عن الحكم في 1909 لقد كان كاتب وثيقة التنازل والواقف أمامه محامي صهيوني رفيق ثيودور هرتزل.
الدراما عامة والتاريخية خاصة قد لا تفتح أبوابا كبيرة لكل خطوط الأحداث فكم من مشاهد قليلة عابرة تشير إلى أحداث كبيرة قد يلتقطها كاتب أخر ليصنع منها عملا متكاملا جديدا تتشابك في الأحداث الدرامية وتتفرع فيه شخصيات كثيرة، فشخصية ثانوية في عمل قد تكون بطولية أسطورية في عمل أخر.
قيمة الأعمال الكبيرة وأهميتها في النص الدرامي والجمل التي تتحاور بها الشخصيات، هناك عمل تتوقف أمام كل جملة ومغزاها وفي أعمال كثيرة يصبح النص لا قيمة له وهذا فرق بين كاتب أو فريق كتابة، وكاتب أخر وفريق كتابة أخر، وفي هذا تتألق الكتابة الدرامية التركية الآن كما تألقت من قبل دراما مصر، وسوريا على يد كتاب مبدعين، المبدع الحقيقي يدرك قيمة كل كلمة، والمخرج الحقيقي يدرك قيمة كل صورة، والكلمة والصورة أخطر ما تكون على النشء والمتلقي فاحترس من كلمتك.
المصدر : الجزيرة مباشر نت
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق