علي أبو هميلة يكتب : البلشي صانع البهجة والأمل نقييبا


تخطت فرحة إعادة انتخاب خالد البلشي نقيبا للصحفيين حدود شارع عبد الخالق ثروت ومنطقة وسط القاهرة والمؤسسات الصحفية لتمتد وتصل إلى كل مصري مشارك بالهم الوطني العام، وكأن معركة نقابة الصحفيين الشرسة لم تكن على مقعد نقيب لنقابة مهنية، ولكن معركة كانت بين الأمل والركود، المستقبل وماضي يصمم أن يمسك بتلابيب أحلامنا وأيامنا ولا يريد أن يغادرنا بمساوئه وطرق تفكيره وأنماط تعايشه، أما المستقبل فهو لوحدة الصحفيين، وإزالة ما تبقى من إثار نقابة كفنت أربع سنوات، وعودة سلم النقابة تعببرا عن الوجدان المصري. 

النقيب الجامع 

لذا لم تكن هذه الفرحة التي لم تستثن أحدا من اصحاب الأمل والحلم على صفحات التواصل الاجتماعي إلأا تعبيرا عن محتمع لازال لديه الأمل أن يصبح لصوته معنى وقيمه، وأن تصبح لوحدته قوة تقتنص إرادته وتجعله يتنفس بعد سنوات من التهاب الشعب الهوائية، تخطت فرحة المصريون حدود صندوق الصحفيين والصحافة لتحاول التمسك بشعاع فجرا قد يولد، فها هم قادرون على التوحد وتناسى اختلافات خلف من وجدوه صادقا مخلصا كفء لوظيفته وجديرا أن يكون صوتا لهم. 

البلشي أعاد للنقابة خلال عامين ماضيين بعد فوزه للمرة الأولى  في مارس/ أذار 2023 دورها،  فتخلصت النقابة من سكونها وظلام  مبناها، وكان نقيبا قريبا من الناس، لم يكن نقيب لشلة أو جماعة، مفاوضا قويا لا يخشى أحدا، استعادت معه نقابة الحريات اسمها، ولم يركن لكونه نقيب الصحفيين ويحاول التملق لنظام أو مؤسسة، كان يعايش مشكلات اصحاب الرأي الذين هم خلف القضبان لم يفرق بينهم حسب تياره أو أيدلوحيته، لم يحسب مخاطر الاقتراب من تيارات غير مرضي عنها كان يدافع عن أعضاء نقابته مهما كلفه ذلك، اعاد للنقابة اشتباكها مع القضايا المصرية والعربية، علا صوت النقابة مع طوفان الأقصى ولم يترك حدثا إلأ وكان للنقابة بيانا وموقفا فيها، وأخيرا أعاد لسلم النقابة دوره فكان نبض مصر طوال أسابيع في تضامنها مع أهل غزة. 

لم يميز البلشي صحفيا عن أخر فكان توحد المصريين خلفه في انتخاباته الثانية، هذه الوحدة خلفه كانت جامعة من كل التيارات المصرية فصنع أملا جديدا في قدرة المصريين على التوحد حينما يدركون أن "قوتنا في وحدتنا" تابعت الانتخابات ولم أجد صحفيا إلا وقد نحى انتماءه السياسي وايدلوجيته ووقف خلف من يراه الأجدر والأكثر كفاءة.

كانت معركة شرسة استخدم فيه منافسه ولجانه الألكترونية اساليب مسيئة للنقيب ولم يرد ولم يحاول أن يدافع عن نفسه وربما كانت تلك الأساليب وشخصية المرشح المنافس عوامل اضافت إليه، وكان ابتعاد البلشي عن الرد بنفس الاسلوب ومحاولته أن تظل سيرته نظيفة عاملا في جاذيبية الانتخابات خارج اسوار النقابة، وصنعت من البلشي أملا للمصريين فصار"النقيب الجامع" لهم بعد شتات طويل. 

تعامل خالد مع المصريين كصاحب قضية سواء شخصية مثل قضايا المحبوسبن في قضايا الرأي وكانت كلمات بعض الذين خرجوا من السجون مؤثرة في رسم صورة النقيب، والأجمل كانت كلمات ودعم زوجات وأبناء من لازالوا خلف القضبان، فقد اثبتوا أن ما يظهر من النقيب مثل ما يخفى عن الاعلام أو الإعلان، أما القضايا العامة فصارت النقابة مع البلشي أقرب إلى نبض الناس وأقرب في التعبير عما لا يستطيعون التعبير عنه، وفي عامين مضوا عادت الروح إلى نقابة الصحفيين وفي نجاح النقيب لمدة عامين قادمين أملا لنا في أمكانية التحدى. 

هل نستطيع؟ 

لم تشهد مصر على مدار تسع سنوات على الأقل تلاشي فكرة التيارات السياسية في كل قضاياه حتى عندما جاء الطوفان ووحدنا على دعم المقاومة الباسلة في غزة ما لبثت بعد الأحداث أن أوجدت شقاقا بين الذين حاولوا التغلب على أنفسهم وأطماعهم وتوحدوا، حدث هذا خاصة بعد توقيع اتفاق الهدنة في لبنان، وبعد أحداث سوريا.
بدا أن توحدنا الكبير على دعم المقاومة يخفى الكثير في داخل النفوس والقلوب وكما يقول المصريون "اللي في القلب في القلب" وعادوا يتناحرون كما كانوا على مدار 14 عاما ونتائجه واضحة للجميع لا تحتاج رصد،.

جاءت انتخابات نقابة الصحفيين والحشد الكبير من الصحفيين والمفكرين بل والجماهير العادية لصالح خالد البلشي كونه الأمثل للنقابة والأجدر وليس اليساري أو الأخواني أو اللبيرالي لتطرح السؤال مرة أخرى بعد طوفان الأقصى ومن قبله بست سنوات معركة تيران وصنافير : هل نستطيع أن نتوحد حول ما يمليه العقل؟ 

هل نستطيع أن نتجاوز مرارة وفرقة وحسابات 14عاما من الشقاق؟ أم كانت انتخابات الصحفيين لحظة عابرة مثل يناير، تيران وصنافير، وطوفان الأقصى ثم نعود أدراجنا المعتادة في الأمساك بتلابيب بعضنا البعض عند أول منعطف حتى ولو كان ماضي بعيدا مثل ما حدث مع تسريب عبد الناصر، الواقع أنا لا اؤمن بنظرية القطعة قطعة في ظروف الأمة المصرية، والأمة العربية الحالية، فالوطن حاليا لا يحتمل "لنكن أصدقاء في قضايا وخصوم في قضايا أخرى" كما قال على الزناتي لفتحي نوفل في فيلم طيور الظلام لوحيد حامد وشريف عرفه، فالواقع يختلف تماما عن ظروف ما قبل 2011، فما حدث بعدها وانتشار الانقسام والكراهية بيننا كبير وايضا ما آلت أليه الأوضاع أشد مأساويا، لذا لا تجدى هذه النظرية وعندما يقولها أحد الأصدقاء في نقاش سياسي أغلق قلبي وعقلي وكراستي وأمضي. 

مصر بحاجة إلى مشروع جامع تقف كلها خلفه كما فعلت مع نقيب جامع، وقيادة رشيدة نحتكم حين تقييمها إلى العقل والكفأة وليس العاطفة فعلناها مع نقابة الصحفيين فلماذا لا تفعلونها مع وطن بحجم مصر والاخطار من خارجه كبيرة ومثلها من داخله، استطعنا أن ننظر لخالد البلشي بعين العقل والتجرد ففعلنا ما كان متصورا أنه مستحيل، واثبتنا أن وحدتنا سبيل المستقبل، فمن منكم يستطيع أن يتجاوز مرارات الماضي ويكون جامعا كالبلشي، ومن منكم يستطيع أن يتجاوز عواطفه ويقول سنحتكم للعقل ونحتار مستقبل الوطن؟ سؤال سيظل يبحث عن إجابة حتى يشرق نور الصباح على مصر وأمتنا العربية، وربما في طوفان الأقصى فجرا جديدا للأمة.

المصدر : الجزيرة مباشر نت 

تعليقات