بعد أقل من ثلاثة أسابيع على "طوفان الأقصى"، خطب نتنياهو في جنوده عشية بدء الهجوم البري على قطاع غزة، قائلًا: "عليكم أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم في الكتاب المقدس".
فأما العماليق فهم شعب من البدو الرُّحّل كان يعيش في جنوب أرض كنعان وصحراء النقب، وكان معاديًا لبنى إسرائيل في المراحل الأولى من تاريخهم. وأما إشارة نتنياهو فهي إلى الإصحاح الخامس عشر من سِفر صموئيل الأول الذي أتى فيه: "هكذا يقول رب الجنود أني قد افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر، فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعْفُ عنهم، بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملًا وحمارًا".
الآن، عشية الهجوم البري الشامل على قطاع غزة بهدف البقاء فيه، يختار نتنياهو اسم "العملية: عربات جدعون". فأما العربات فهي تلك التي كانت تجرها الخيول في غمار الحروب القديمة دهسًا وفتكًا، وأما جدعون فهو أحد زعماء العبرانيين في تلك الحقبة التاريخية نفسها وقد ورد ذكره في الإصحاح السادس من سِفر القضاة في الكتاب المقدس على أساس أن الله أرسله على رأس جيش هزم المديانيين، وهم قبيلة أخرى من الكنعانيين الذين حالوا بين اليهود الخارجين من مصر وبين الوصول إلى بيت المقدس.
ورد في الكتابات العبرانية أن الكنعانيين هم سكان البلاد الأصليون، وورد في سِفر يشوع أن الكنعانيين في قائمة الأمم المطلوب إبادتها. ويناصب الكثير من المؤرخين الغربيين العداء للكنعانيين تأثرًا بالتوراة رغم أنها تمتلئ بمغالطات كثيرة؛ فمثلًا تعتبر الكنعانيين ساميين أحيانًا، وأحيانًا أخرى تعتبرهم حاميين، ويتفاخر العبرانيون فيها بقتل الكنعانيين وحرق مدنهم وقراهم وإبادة حرثهم ونسلهم، فالكنعانيون في نظرهم شعب يجب أن يُمحى ويباد عن وجه الأرض.
هذه باختصار استراتيجية نتنياهو من البداية: اللجوء إلى الخطاب اللاهوتي مدفوعًا بالمخبولين الذين يقودهم سموتريتش وبن غفير. الاستراتيجية واضحة وكذلك النوايا والإشارات، إلى حد أن صحيفة هآريتز تقترح عليه تغيير اسم العملية بالمرة إلى "عربات الإبادة".
بعد انتصاره على المديانيين عاد جدعون بالغنائم التي استولى عليها فصنع منها أفودًا (صدرية) من الذهب، وسقط في اشتهاء الكهنوت وأشرك وعبد آلهة مزيفة قبل أن يتوب، وقام ابنه أبو معيلق بقتل إخوته السبعين جميعًا عدا واحدًا.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق