عجائب عبد القدوس
أخشى أن تنظر بشك إلى عنوان مقالي وتقول: هل هذا معقول؟ وقد يحاول البعض التفلسف ويقول: لازم كنت مقيمًا بالسعودية، ولذلك قمت بزيارة بيت الله الحرام وأديت العمرة من غير تأشيرة!!
وهذا غير صحيح أبدًا.. سافرت من القاهرة إلى السعودية مع أفراد الأسرة من غير تأشيرة ولا حتى جواز سفر! وتم استقبالنا هناك استقبالًا ملوكي!! مع أننا ناس عاديه جدًا.. والعبد لله إنسان غلبان!! وكتاباته المعارضة لا تعجب أصحاب السلطة والنفوذ!!
والمؤكد أنك ستطلب مني الآن وفورًا ودلوقتي حالًا شرح هذا اللغز...
وأبدأ قائلًا: ربنا يرحم أستاذي .. صاحب الفضل في حياته وحتى بعد مماته أنني أقصد فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قد تزوجت من ابنته من زمان قوي، وكانت نعمة الزوجة.
وحكاياتي غريبة جدًا، تبدأ في يوم لا أنساه أبدًا، عندما اتصلت بي السفارة السعودية بالقاهرة، وأبلغتني بوفاة العالم الجليل في الرياض، حيث كان يشارك في مؤتمر إسلامي. وقال محدثي من السفارة غدا إن شاء الله هناك طائرة خاصة قادمة من السعودية تنقل أفراد الأسرة لدفن الشيخ في المدينة المنورة .. بناءً على وصيته.
قلت له متعجبًا: ولكن أفراد الأسرة، وهم أبناؤه وأزواجهم، أغلبهم ليس عندهم جواز سفر، أو انتهى سريانه .. ثم كيف سنحصل على تأشيرة دخول إلى المملكة؟ الوقت ضيق جدًا، (المكالمة كانت مساء السبت، والسفر الأحد صباحًا.)
قال محدثي السعودي: هذه أمور كلها ليست بالأمر المهم حاليًا .. الاهم هو تجميع أفراد الأسرة، ليكونوا جميعًا في صالة كبار الزوار. سيكون السفير وأركان السفارة في انتظارهم.
وفي اليوم التالي كنا هناك، في الموعد والمكان المحدد. وقدّم لنا السفير السعودي التعزية، قائلًا: الأمير عبد الله، ولي العهد، يريد لقائكم عندما تصلون إلى الرياض.
وخرجنا من صالة كبار الزوار رأسًا إلى الطائرة الخاصة القادمة من السعودية، دون المرور على ضباط الجوازات، مفيش باسبور ولا تأشيرة ولا يحزنون!!
عند وصولنا إلى السعودية، كانت أجهزة الإعلام في انتظارنا بالمطار، حيث تريد التعرف على أسرة الشيخ الجليل، وكذلك مندوب من المراسم الملكية، الذي اصطحبنا مباشرة لرؤية جثمان الفقيد العزيز، وإلقاء نظرة وداع عليه.
وبعدها كان اللقاء مع الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد، الحاكم الفعلي في ذلك الوقت، بسبب مرض الملك خادم الحرمين فهد بن عبد العزيز.،وبعد تقديم العزاء، كانت هناك طائرة خاصة لنقل جثمان شيخنا الجليل إلى المدينة المنورة، ودفنّه هناك، والشرفنا بزيارة المسجد النبوي الشريف، للسلام على نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام.
وبعد ذلك، انتقلنا إلى مكة لأداء العمرة، ونزلنا في الفندق الذي ينزل فيه كبار ضيوف المملكة، والذي يطل مباشرة على ساحة الحرم.
وبينما كنت أستعد للنزول وبدء الطواف، جاءني تليفون مفاجئ من الديوان الملكي بالرياض، والمتحدث هو الأمير سلمان بن عبد العزيز، الذي أصبح ملكًا بعد ذلك، فكان غاية في اللطف معي وهو يحدثني ويقدم العزاء.
ثم فاجأني بالقول: "أنا كنت صديق والدك إحسان عبد القدوس، وبحبه، وجيت عندكم في بيتكم بالزمالك"، وتذكرته بالفعل، وكان صديقًا لوالدي في الستينات من القرن العشرين، عاشقًا لقراءة قصصه، ومشاهدة أفلامه.
وعدنا إلى مصر بعد ذلك عقب أداء العمرة، وخرجنا من المطار بدون المرور على أي ضابط للجوازات، بل من قاعة كبار الزوار إلى خارج المطار رأسًا، وقد لا يحدث هذا عادةً إلا مع رؤساء الدول فقط.
وهكذا، في وفاة شيخنا الجليل، كانت هناك معاملة ملوكي لنا من جانب السعودية، والمؤكد أنها تمت بالتنسيق مع السلطات المصرية.
وأسألك في النهاية: هل قرأت أو سمعت أو عرفت واحد إنسانًا عاديًا سافر إلى أي دولة دون أن يكون معه جواز سفر؟.. ألا يدخل هذا الأمر في دنيا العجائب؟؟!!
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق