معصوم مرزوق يكتب : مصر أصبحت دولة منبع !


بمناسبة أمطار الأسكندرية التي هطلت بشدة مساء أمس ، تذكرت ذات يوم في عنتيبي/ أوغندا ، حين اشتدت المفاوضات حول مبادرة حوض النيل ، وخرج رئيس الوفد الأثيوبي عن كافة التقاليد الدبلوماسية في بعض ردوده .

قلت له متغاضباً : " أن ما ترفضه اليوم ، قد تسعي إلينا غداً كي نوافق عليه ..انت لا تتابع التغيرات في أحوال المناخ ، ولقد علمت من الفنيين المصريين ، أن تغير المناخ سوف يؤدي خلال ربع القرن القادم إلي تغير في أنماط الأمطار ، حيث سوف ينتقل موسم الأمطار من خط الأستواء إلي المحور المداري ، وأن كل الأمطار التي تسقط حاليا علي الهضبة الحبشية سوف تسقط علي مصر ، وسوف نبني سدودا تمنع وصول مياه النيل إلي الحبشة!!" 

ورغم أن هدفي الاصلي كان المداعبة وتخفيف التوتر في لغة المفاوضات ، إلا أنني فوجئت بإنزعاج السفير الأثيوبي ، وطلبه العاجل رفع الجلسة للتشاور !

وبينما كنت أصب كوبا من ماكينة القهوة في القاعة ، اقترب مني الدبلوماسي الأثيوبي ولا يزال حائرا متوترا ، قال لي أنه سأل الفنيين من أعضاء وفده ، فلم يجد لديهم معلومات حول الموضوع ، وهو يثق في صدق وصحة معلومات المصريين ، إلا أنه يريد أن يحصل علي المعلومة كاملة قبل أن يرسل إلي حكومته للإ ستفسار !!.

قد راوغته لبعض الوقت متظاهرا بأنني حريص علي مصلحة الأشقاء في الحبشة ، وأنهم سوف يصبحون عما قريب " دولة مصب " بعد أن يحول تغير المناخ مصر إلي "دولة منبع " ..

ويبدو أن الدبلوماسي الطيب لم ينتبه إلي حقائق الطبوغرافيا التي تجعل من ذلك السيناريو الخيالي مستحيلا ، لأن المياه لا تنتقل إلي أعلي .. 

لولا خوفي علي " مصداقية " المعلومات المصرية ، وسمعتنا التاريخية ، لواصلت مشاغبة هذا الوفد الذي كان لا يتورع عن اتهامنا بأننا اللصوص التاريخيين لمياه النيل .

في النهاية ، قلت له بشكل " أبوي " ، أن مصر لا يمكن أن تحجز الخير عن أشقائها حتي لو تحقق هذا السيناريو ، وشرحت له صعوبته ، وهدفي من المداعبة لتخفيف قسوة المفاوضات وخشونتها .. 

تنفس الرجل الصعداء وهو يتطلع إليّ بين التصديق والتكذيب ، فهو يعلم جيدا أن الدبلوماسي المصري قلما يهزل في وقت الجد .

الطريف أنه بعد أن أفاق من الصدمة ، وفي الجلسة التالية ، عاود نفس الأسلوب غير المثمر ، وبنفس الشكل الهجومي ! .

تعليقات