د. محمد دوير يكتب : بمناسبة هزيمة 67


1- الإمام محمد عبده كان رأيه إن أحمد عرابي هو سبب احتلال بريطانيا لمصر- ورغم إنه أخد موقف مع الثورة العرابية بعد ذلك – إلا أنه رأيه هذا وجد من يدعو له وينشره بين عموم المصريين، ومصطفي كامل أيضا كان شايف نفس رأي الإمام.

2- الخديوي عباس كان رأيه إن فترة حكم محمد علي تسببت في نكسات كبري لمصر، ولذلك غير كتير من سياساته.. في شبه انقلاب عليه وعلى فلسفة حكمه..

3- خصوم الوفد من القوي السياسية، حاربت سياسة الوفد واعتبرت إنه حزب استقلال وليس حزبا للتنمية الوطنية والديمقراطية، وهو المسئول عن ضيق أفق الحياة السياسية في العصر الحديث.

4- خصوم الوفد أيضا انتقدوا مصطفي النحاس في اتفاقية 1936، ثم انتقدوه في إلغاء الاتفاقية بعد ذلك، وبعضهم كان شايف إن التحرر الوطني يمر خارج أطر التفاوض مع المحتل..

5- يعتقد كثير من العرب أن هزيمة 1948 هي المدخل الرئيس لحالة التخلف العربي الحالية..

6- كتير من المثقفين والسياسيين المصريين كان رأيهم إن قرار التأميم 1956 كان قرار خاطئ، باعتبار إن حق الامتياز للقناة سينتهي عام 1968، وإن موقف عبد الناصر هذا أنهي علي مستقبل مصر، مع الغرب الأوربي.

7- غالبية المصريين مثقفين وعموم الناس – تحت تأثير عوامل كتيرة جدا – عندهم يقين إن هزيمة 67 هي السبب (الوحيد) في تدمير مصر، وتحوليها إلي دولة متخلفة، ضعيفة، مكسورة، ضائعة، مشوهة، وإن هذا التأثير مازال مستمرا حتى اليوم.. 

الحقيقة.. كل هذه العناصر الستة، في التحليل الأخير، تضع دائما سببا واحدا خلف كل كارثة أو موقف يحدث في السياسة المصرية.. وهذا موقف غير علمي وغير موضوعي، ومن المستحيل قبول تفسير الحوادث التاريخية والسياسية بهذا المنطق الأحادي. وفيما يخص هزيمة 67:

1- اليابان وانجلترا وفرنسا ومعظم البلدان الأوربية، دمرت بالكامل، في الحرب العالمية الثانية، ورغم ذلك استطاعت أن تحقق طفرات اقتصادية واجتماعية وسياسية في غضون عقد أو عقدين من الزمان.. بمعني أن الهزيمة العسكرية ليست سببا وحيدا في الانهيار وليس دافعا وحيدا للتقدم.. هناك أسباب أخري وعوامل أخري لهذا وذاك.

2- روسيا في عام 1917 كانت قاب قوسين أو ادني من الانهيار الشامل فهي مهزومة في الحرب العالمية الأولي، والجبهة الداخلية منهارة تماما، وما بين الحرب والثورة، استطاعت أن تصبح في غضون سنوات معدودة ثاني أكبر قوة في العالم.

3- هزيمة 67 هي إرث تاريخي كبير جدا بدأ من الحرب علي محمد علي عام 1841، وكسر إرادة الجيش المصري، وتكاتف جميع القوي الدولية ضده، ثم جاءت المرحلة الثانية مع حرب 48، ثم كانت هزيمة 67 هي الحلقة الثالثة من سلسلة وأد كل تجربة تنموية وتقدمية وتحررية في الوطن العربي..

4- كل مقارنة بين الفترة من 67 الي أكتوبر 73، والفترة من 1974 إلي 1979 مع اتفاقية كامب ديفيد، كل مقارنة ستكون لصالح الفترة الأولي، وهي الفترة التي شهدت الهزيمة، ونقصد بالمقارنة هنا الاقتصاد والوضع الاجتماعي وقدرة المجتمع علي التماسك.. في حين تمثل الفترة الثانية 74-1979، بداية النهاية للمجتمع المصري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا..

هزيمة 67 كارثة حقيقية، مثل هزائم محمد علي وعرابي والجيش العربي في 48، ولكنها ليست المسئولة بمفردها عما وصل إليه حال المجتمع المصري والعربي..

اختزال الأمر كله في هزيمة 67، يحمل في طياته عدة أخطاء:

الخطأ الأول: الجهل بالتطور التاريخي للحداثة العربية، وبالهزيمة التاريخية للعقل العربي منذ أن وضع العثمانيون أقدامهم في القاهرة 1517.

 الخطأ الثاني: وهو خطا منهجي.. فكما يقول برتراند رسل " لا يوجد سبب واحد لحدث واحد، بل هناك عدة أسباب دائما " والخطأ هنا، أن الربط بين التبعية المصرية وهزيمة 67، هو انكار للحقائق، فالانهيار الاقتصادي حدث مع الانفتاح، والانهيار السياسي حدث منذ تأسيس أول برلمان مصري عام 1866، والانهيار الثقافي حدث منذ منتصف السبعينيات.. وهلم جرا..

الخطأ الثالث: هو خطا الخلط.. فهناك من يبرئ هزيمة 67 من بعض النتائج المهمة والمؤسفة، وهناك من يعتبرها أساس لكل الأزمات التي نعيش فيها، والحقيقة أن هزيمة 67 هي حلقة من سلسلة طويلة جدا في معركة المجتمع المصري والعربي مع قوي خارجية تريد استلاب ثرواتنا..

الخطأ الرابع: هو تجاهل النتائج الواقعية على الأرض.. فهزيمة 67 انتهت بنصر أكتوبر بعد إعادة تنظيم الجيش منذ أواخر 67، ولكن نصر أكتوبر انتهي باتفاقية كامب ديفيد.. التي زرعت في قلب القاهرة علم الكيان..

علينا أن نضع هزيمة 67 في سياقها التاريخي العام للتجربة العربية الحديثة.. حتي نستطيع تجاوزها للبحث عن المستقبل

تعليقات