علي أبو هميلة يكتب : " في ذكرى النكسة" لنمحو أفكار جمال عبد الناصر


 لا تتوقف الحملات على جمال عبد الناصر طوال نصف قرن ونيف من الزمن، وأن كانوا قبل ذلك لا يتوقفون عنها ولكنهم كانوا يدركون أن وجوده يخيف الجميع فعملوا سرا ست عشر عاما حتى وفاته، وبعدها جاءت الفرصة لهم، ولا تنتهي حملة على جمال إلا لتبدأ حملة آخرى بل أنهم اصبحوا لا ينتظرون مواسم كانت قديما للهجوم بل عند كتابة أو تذكرة لابد أن ينحووا تجاه عبد الناصر ليسمعونا فيها ما لا يسر عنه. 

الرجل الذي رحل منذ نصف قرن ونيف لا زال يهاجم كأنه حاضرا ولا يغيب أبدا وأن غاب في قلوب محبيه فأعدائه يذكروننا به، ويحمل الرجل آثام الحاضر والماضي والمستقبل، وربما حملوه جزاءهم في الأخرة. 

الرجل الذي هزم 

مات الرجل وجيشه مهزوم وهو الذي لم ينتصر في حرب دخلها، مات وترك بلد الحزب الواحد والتنظيم الواحد وقتل الديمقراطية التي نعموا بها منذ عهد الخديوي إسماعيل ومجلسه للشورى، ومنع الأحزاب، والحركات، والجماعات من السعي في الأرض أي ما كان سعيهم، ولكن ستنظم الديمقراطية نفسها، وستحرر الوطن من الاحتلال، والإقطاع والرأسمالية المستغلة، وسيعيش الوطن أزهى عقوده، المهم إلا يكون هناك عبد الناصر، فلماذا لا نمحوه، ونأتي بأفكار غيره، فتعالوا معي لنمحو عبد الناصر وأثاره، هكذا يقولون ومعهم نجتهد في ذلك. 

هل أنتم جادين حينما تخرجون علينا كل صباح لتذكرونا بهزيمة الخامس من يونيو/ حزيران 1967 حينما تدعون أنها كسرت الوطن وكسرتكم وأنكم بعدها أصبحتم موتى، ما هذا البؤس، هل ماتت أمة بعد هزيمة؟

 أي أمة تلك التي هزمت لتموت، بل أقربها هل أنتهى كيان العصابات الصهيونية بعد هزيمة أكتوبر/ تشرين 1973 التي الحقها به جيش جمال عبد الناصر، أم أنكم ترون أن هذا جيش غيره، إن كنتم ترون ذلك فهل كانت حرب الاستنزاف بجيش وقادة غير الجيش.

 لم تنكسر عصابات الصهاينة، وها هي تعربد عسكريا وسياسيا في كل الأرض العربية، ماتت جولدا مائير، موشي ديان، إسحاق شامير، رابين، بيريز، والعصابات الصهيونية تتمدد وتتوسع في الخريطة، لا يوقفها إلا المقاومة الفلسطينية والعربية الباسلة، فلماذا تموتون أنتم وتتدعون أن هزيمة أو رجل كسركم جميعا. 

هل تصدقون ذلك أم أنكم تهربون بالضعف والمذلة والانكسار لديكم؟ بعد 58 عاما لا زلتم تقولون أنكسرنا وهزمنا وإثارا لا تمحى، فلماذا لا تتذكرون النصر الذي حدث بعد سنوات ست وتقولون أعاد لنا الروح داوى جراحنا، لملم أشلائنا، وعدنا منتصرين، هل الرغبة في التألم بالهزيمة وجلد الذات، والاستعطاف بالهزيمة فيقول أبناءكم "أتركوهم لا يستطيعون شيئا أنهم مهزمون فعلها عبد الناصر فيهم؟ 

أمحوا صوره ليخل لكم وجه الوطن 

لا بأس تعالوا اساعدكم في سعيكم لمزيد من الجلد وحتى ننهي هذا كله لنمحو معا كل ما تبقى من عبد الناصر لعل قلوبكم تشفى، وعقولكم تتألق ونستعيد الماضي السعيد المبهر القوي قبل مجيء الديكتاتور ناصر، أن كنتم جادين فعلا في ذلك. 

سكنتب خطاب أعتذار للأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس (سابقا) بريطانيا الحالية ونرفع لافتات اعتذار لها وندعوها للعودة إلينا تحتل منطقة قناة السويس، وعلى المندوب السامي أن يمر على الملك أحمد فؤاد ليأتي معه ليحكم مصر ونستعيد أيام الملكية والحلاق اليوناني، والترزي الفرنسي، التاجر اليهودي، لنمحو معا جميعا صورة توقيع أتفاقية الجلاء، ومغادرة القوات الإنجليزية مصر من الذاكرة. 

نريد أن نمحو صورة جمال عبد الناصر التي يوزع فيها أراضي الأسياد على العبيد ونعيدهم حفاة  تتنافس الأحزاب اللبيرالية والديمقراطية على حذاء لهم، وبدلا من الصورة التي يقف فيها الفلاح رأسا برأس مع رئيس الجمهورية دعوه يجري بجوار عربة المالك الفاخرة، هيا بنا ندعوا أحفادهم وأحفاد أحفادهم لنعيد لهم الأرض التي منحها عبد الناصر، وجرفها وبنى عليها أبناء الفلاحين، ولنلغي قرارات الإصلاح الزراعي التى أصدرها الحاقد على الأغنياء. 

سنقرر جميعا حتى نتخلص من أثار جمال عبد الناصر، وهزيمة يونيو إلا ننادي بوحدة الأمة العربية، ونستبدلها بالقطرية الجميلة والأنا الوطنية، ولينظر كل منا في ورقته، لا وحدة عربية، لا قضية فلسطينية، لا مقاومة لنتركها تواجه الصهاينة وحيدة -تركناهاـ وكل دولة تنكفء على ذاتها تحقق نهضتها ونموها التاريخي، فعلها أنور السادات فكان رائدا لمشروع الأنا العربية وها نحن نرى ما أثارها. 

هيا بنا نهدم! 

هيا بنا نهدم كل مدرسة إقيمت حتى يظل أبن الفلاح فلاح، أبن العامل عامل، وأبن الوزير وزيرا وحتى لا تغلق المصانع، ولا تتغير وجوه الساسة والسلاطين، أهدموا الوحدات الصحية في كل قرية، والمستشفيات في كل مركز ومدينة، وقصور الثقافة ـسيغلقها وزير الثقافة قريباـ لا داعي لذلك، أهدموا مراكز الشباب في كل مصر -لا تقلقوا يعرضها للإيجار وزير الشبابـ واصبحت مأوى للمخدرات لا للرياضة. 

الآن بعد السنوات الماضية لا داعي أيضا لغلق مصانع عبد الناصر حتى تمحو صورته فقد تم بيعها ولم يتبق إلا القليل -يبكي عليها الجميع- ولكن لا تنوحوا على بيعها فقد أصبحت المصانع الجديدة أن وجدت ملكية خاصة مصرية وغير مصرية كما كانت قبل عبد الناصر، محونا ذكره في مصانعه المدنية والحربية بالبيع، لكن بقى السد العالي أضربوه بالصواريخ أو لا تقلقوا فالعدو يمكن أن يفعل ذلك ولا داعي لجهدكم. 

أعيدوا القصور التي أصبحت مدراس إلى اصحابها ولا داعي للتعليم "يعمل أيه التعليم في وطن ضائع" أهدموا أكاديمية الفنون، مراكز البحث العلمي، المجلس الأعلى للثقافة، المجلس القومي للترجمة، المجلس القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية، المركز القومي للبحوث الزراعية، كل مركز الأبحاث والعلوم، واحرقوا كل البحوث على أرففها تلك المكدسة، ولا يستفاد منها. 

أعيدو قناة السويس لفرنسا ماكرون وأرسلوا خطاب أعتذار له عن تأميم القناة، وفي ذات الخطاب أعتذروا لها لمساعدة ثوار الجزائر فقد جاءت الثورة بناصري أسمه أحمد بن بيلا، ثم ديكتاتور أسمه بومدين، أعيدوا الاحتلال الفرنسي للجزائر ولا تعتذروا للشعب الجزائري عن مليونين من الشهداء، وأعتذروا أن مصر أخطأت وساعدتهم.

أمحوه من وجدان العالم 

هيا نتجول في كل منزل عربي، إفريقي، في أمريكا اللاتينية وننزع صورة جمال عبد الناصر من المنازل والمحلات الصغيرة، ونتبرأ ممن يقولون أنه "أبو إفريقيا" ونمحو تاريخ نيلسون مانديلا الذي قال أنه "كان يشب من جنوب القارة لشمالها ليرى صورة عبد الناصر" 

في ذات اللحظة لا تتغنوا بموقف جنوب أفريقيا تجاه فلسطين، ولا الرئيس البرازيلي، أو الفنزويلي، ولا تضعوا صور جيفارا على حوائطكم فكل هؤلاء اعتبروا عبد الناصر مثلهم الأعلى، فلا داعي لتذكرهم، وبالمرة عليكم أعتذار لشعب اليمن، والكونغو، وكل شعوب إفريقيا عن أي دعم ناصري لهم تم في عهد الديكتاتور الذي نال هزيمة فلم يستطع شعب كامل أن ينهض بعدها رغم مرور نصف قرن من الزمان، فهذا الرجل كان سببا في موت ودفن شعب! 

هل تتخيلون ما تقولون وتنشرون بحق؟ هل تفكرون فيما تدعون؟ وتذهبون إلى مخادعكم قريري الأعين مرتاحي الضمير، هل تتخيلون أن أعمار أغلبكم لم ترى عبد الناصر حيا، ومع ذلك ترددون أنه سبب نكبتكم، ترى أي عقل في العالم يقبل منكم هذا؟

 إلا تروا فيما تدعون أهانة للعقول والقدرات، ولنا جميعا، رجل مات منذ نصف قرن ولازلتم تقولون أنه سبب أنكسار الأمة، الواقع أنني أقول دائما "لا أدافع عن عبد الناصر فهو ليس بحاجة لدفاعي وإلا فهيا أهدموا كل ما صنع"  الواقع أننا لا بد أن ندافع عن انفسنا، ندافع عن مستقبلنا وحاضرنا، أن ما تدعون هو تعبير عن عجزنا جميعا، حتى لو هدمت وأعتذرتم، وكتبتم لمئات السنين لن تستطيعوا أن تمحوا لا ناصر ولا فكره من ذاكرة العالم، وليس أمته، وشعبه، فأنظروا للمستقبل إذا بقى له مكانا لديكم. 

المصدر : الجزيرة مباشر نت 

تعليقات