نصر القفاص يكتب : ملعون أبوها الحمامة!!


أتجنب كثيرا إطلاق تهمة "الخيانة" على أى شخص سواء كان مسئولا أو مجرد صاحب رأى.. فهذه أبشع وأخطر تهمة يمكن أن تلحق بإنسان من أى جنسية, وفى أى دولة على وجه الكرة الأرضية!!

أتذكر أننا على مدى سنوات طويلة, كنا نتناول ما سبق أن كتبه الشهيد البطل "صلاح خلف" – أبو إياد – فى كتابه "فلسطينى بلا هوية": "أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر".. ودون أن أتخيل أننى سأعيش لأرى هذا اليوم!!

كنت قد فوجئت بسؤال من الصديق "أحمد الجمال" مع كل التقدير لمكانته كأستاذ وكاتب كبير: "هل قرأت مذكرات محمد ابراهيم كامل وزير الخارجية الأسبق – السلام الضائع -؟".. وكان السؤال جملة اعتراضية خلال مكالمة هاتفية معه.. أجبته: "هى عندى, لكن لم أقرأها".. وجدته يطلب منى بإلحاح أن أشرع فى قراءتها بأسرع وقت.. وللحقيقة إنشغلت فى قراءات أخرى, حتى كانت معركة "طوفان الأقصى" التى سيؤرخ بها كعام الفيل فى تاريخ العالم العربى!!

وللحقيقة فقد عشت الشهور الثمانية الماضية.. غارقا ومستغرقا فيما يحدث على أرض "غزة" العزة.. وعلى أرض "الضفة الغربية" وما تصنعه المقاومة من ملاحم على أرض لبنان.. إضافة إلى موقف القوات المسلحة اليمنية الذى يتجاوز كلمة البطولة.. وفى القلب, ما حدث – ويحدث – فى دول العالم التى اكتشفت أنه مازال بيننا كيان استعمارى.. إستيطانى.. زرعه الغرب فى قلب العالم العربى, وراحت "ماكينات الكذب والتزوير" التى تديرها "واشنطن والذين معها" تقدمه على أنه "الحمل الوديع" بين "الأشرار" من العرب!! تم تكريس هذه الصورة بعد استدراج "مصر" إلى مصيدة "السلام الضائع" كما وصفه وزير خارجيتها – محمد ابراهيم كامل – باعتباره شاهد على هذه الطبخة المسمومة فى أخطر مراحلها!!

صعب أن أختصر ما توقفت عنده خلال قراءتى لهذه المذكرات.. فهى حافلة بالكثير من الأحداث والمعلومات, الكفيلة بأن تجعلك تكتشف كارثة "السلام الضائع" الذى أخذ العالم العربى وفى القلب منه "مصر" إلى الحضيض!! وبغض النظر عن رأى أى شخص فى انحيازه أو رفضه لهذا السلام.. أستطيع القطع بأن من لم يقرأ مذكرات "محمد ابراهيم كامل" عليه أن يسارع بالبحث عنها وقراءتها.. لأنها كفيلة بأن تخرجك – سواء كنت مؤيدا أو رافضا لهذا السلام – من الظلام إلى نور الحقيقة.. وهى كفيلة بأن تجعلك تفهم وتملك مفاتيح "طوفان الأقصى" الذى جعل الدنيا كلها تقف مذهولة بما فعلته "المقاومة" حتى أصبحنا نرى ملامح نهاية "الكيان الصهيونى" ونرى الفصل الأخير من سقوط "واشنطن والذين معها" إضافة إلى ذيولهم فى عالمنا العربى!!

علاقة "محمد ابراهيم كامل" مع "أنور السادات" بدأت مطلع الأربعينات من القرن الماضى, بانخراطهما فى تنظيم سرى لمقاومة الاستعمار الانجليزى.. وكليهما كان متهما باغتيال "أمين عثمان" وزير المالية الذى كان يفاخر بعمالته للاستعمار.. وبقيت منه جملة توصمه بالعار طول الزمن.. عندما قال: "علاقة مصر بالانجليز كالزواج الكاثوليكى".. وعلى نهجه يمضى أحفاده فى ذات الفكر الذين يرون أن "علاقة مصر مع واشنطن كالزواج الكاثوليكى"!!.. وقد شاءت الأقدار أن يحكم "أنور السادات" مصر, ويقرر تعيين الدبلوماسى المحترم "محمد ابراهيم كامل" وزيرا للخارجية.. بعد استقالة "إسماعيل فهمى" لرفضه مبادرة السلام.

يكشف وزير الخارجية الأسبق فى مذكراته – السلام الضائع – كيف أهدر "السادات" تضحيات أبطال الجيش المصرى فى حرب اكتوبر.. ويؤكد بالوثائق والوقائع ما كان شاهدا عليه من موقع المسئولية, بأنه – السادات – اختصر الوطن وتاريخه فى نفسه.. وأنه باع المستقبل لأجل حفاوة زائفة وأضواء مصطنعة من جانب الغرب وإسرائيل.. كما يكشف عن انحيازه لإسرائيل حتى قبل أن يوقع اتفاقية "كامب ديفيد".. عندما يقول عن اجتياح إسرائيل للأراضى اللبنانية يوم 14 مارس 1978.. وقد حدث ليلا.. فى الصباح كان اتصاله بالرئيس ليبلغه بتطورات الموقف.. لكنه كان نائما!!.. وعندما استيقظ إتصل بالوزير الذى أبلغه, ليفاجأ به يقول له: "هل أعطوهم العلقة وللا لسة؟".. ليرد "محمد ابراهيم كامل": "أفندم؟" من هول الصدمة.. فإذا بالسادات يكرر: "يعنى الإسرائيليين أدبوهم وللا لسة؟".. وفوجئ بأن الوزير يؤكد له على المقاومة الشرسة للفلسطينيين واللبنانيين فى جنوب لبنان!!

تأخذك المذكرات إلى عشرات المواقف التى كان صاحبها شاهدا عليها.. وكلها كانت تفريطا فى حق ومكانة مصر.. بل تفريط فى القضية الفلسطينية التى قاتلت مصر ودفعت فيها أثمانا فادحة من دم شبابها واستقرار شعبها.. حتى تجد أن "محمد ابراهيم كامل" يقول عن "السادات" نصا: "عندما عبر بوابة كامب ديفيد.. كان عاريا مكبلا, لا يملك حراكا بسبب ما تفلت به لسانه داخل الغرف المغلقة من تنازلات وتجاوزات وتعهدات الواحد بعد الآخر.. وفى لقاء وراء لقاء حتى كتف نفسه.. وبدد ما كان معه من أرصدة.. وكانت النتيجة أنه لم يجد أمامه مفرا من التوقيع على إشهار إفلاس مبادرته"!!

كانت هذه الرؤية سبب إصرار "محمد ابراهيم كامل" على الاستقالة قبل أن يوقع "السادات" على معاهدة "كامب ديفيد".. التى تحولت إلى "صنم" يعبده كل من حكم بعده.. ويدعو إلى عبادته آلاف جيل بعد جيل, من الانتهازيين والعملاء مع كثيرين من السذج والبلهاء"!! بل وأصبح التمسك بهذه المعاهدة طوق نجاة, لكل الذين يخشون فضح ما تقاضوه لبيع وطنهم وشعبهم.. وهنا أتذكر "محمود عوض" القائل أن: "دعاة التطبيع تجار مخدرات يخشون بضاعتهم"!!

جاء "طوفان الأقصى" ليسقط أوراق التوت عن الذين ارتكبوا أم الجرائم فى القرن العشرين وما بعده.. واسمها السلام مع إسرائيل!! فقد تأكدنا بعد "الطوفان" من أن "واشنطن والذين معها" يديرون هذا الكيان, ليبقى الخنجر المسموم فى قلب العرب.. ثم صنعوا له طبخة السلام المسمومة, ليموت بسببها آلاف الشرفاء والأبرياء والمقاتلين.. وعندما أصبحنا أمام الحقيقة, لا يجد الخونة ما يسترهم.. ولذلك صرخ "عبد الرحمن الأبنودى" فى وجوههم جميعا:

ملعون أبوها الحمامة أم غصن زيتون

معمولة لاجل الضحية يصدقوا الجلاد

تعليقات