يسري فوده يكتب : انتفاضة كاليفورنيا ومستقبل أمريكا


وصل الأمر إلى التلويح بالقبض على حاكم كاليفورنيا المنتخب. قالها ترمب صراحةً اليوم بينما هدد وزيرُ دفاعه بنشر قوات البحرية النخبوية لمساندة قوات الحرس الوطني التي أرسلها ترمب أمس أصلًا لمساندة قوات وزارة الأمن الداخلي في حملتها للقبض على المهاجرين غير المقيدين في الدفاتر الرسمية.

هذا حدث لافت للنظر فيما وراء مجرد مشاهد التحدي والصدام والحجارة والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وغيرها. فرغم أن الدستور يمنح السلطة الفيدرالية خيار نشر قوات عسكرية في أي ولاية في حالات استثنائية محددة، هذه هي المرة الأولى على مدى نحو 60 عامًا التي يتخذ فيها رئيس أمريكي قرارًا ب "غزو" ولاية ضد مشيئة حاكمها المنتخب ويهدد باعتقاله هو نفسه وكل من يقف في وجهه.

بين سيل الصور والتفاصيل المتوفرة حتى الآن وتلك التي سيغرقنا بها الإعلام على مدى الأيام، وربما الأسابيع، القادمة، من الصعب مقاومة النظر إلى هذا باعتباره عرَضًا آخر من أعراض الذبول والتفكك والتداعي نحو انهيار لم يخترعه ترمب وإنما هو يُسرع من وتيرته من حيث يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى مجد لا يبدو أنه سيعود.

في مقارنة أمريكا بما سبقها من قوى عظمى عبر التاريخ، دعونا ننظر إلى هذه المحددات الموضوعية:

أولًا، نسبة الدين العام إلى إجمالي الدخل القومي: حاليًا نحو 125% ومن المتوقع وصولها إلى 135% بعد عامين. حين وصلت روما على هذا المقياس عام 235 إلى 130% انهارت تمامًا بعد عقدين من الزمن.

ثانيًا، نسبة الأغنياء إلى الفقراء: حاليًا أقل من 1% يسيطرون على أكثر من 90% من الثروة ومن المتوقع خلال العامين القادمين أن تتعدى مستوى ما قبل الثورة الفرنسية قياسًا على سياسات ترمب التي تخدم الأوليغاركي وفاحشي الثراء. 

ثالثًا، مستوى التماسك الاجتماعي: منذ عام 1970 هبطت نسبة الثقة العامة في صلاحية المؤسسات الفيدرالية بنسبة 54% ومن المتوقع بعد عامين وصولها إلى نحو 20% خاصةً على ضوء السياسات الترمبية الهادمة للثقة. عندما انهار الاتحاد السوفييتي كانت نسبته على هذا المعيار 19%.

رابعًا، أذرع القوة العسكرية: لدى أمريكا حاليًا نحو 750 قاعدة عسكرية في 80 دولة كانت إدارة باراك أوباما تجهد لتقليصها نحو هبوط أمريكي آمن، لكنها تبتلع نحو 62% من الميزانية المتاحة، وهي النسبة نفسها التي لديها انهارت الإمبراطورية الإسبانية.

خامسًا، مستوى الاستقطاب السياسي: تشير الدراسات والإحصاءات إلى أنه اليوم يتجاوز مستواه قبيل الحرب الأهلية الأمريكية، وربما يصل بعد عامين من السياسات الترمبية إلى مستوى لم يشهده التاريخ الإنساني من قبل.

في مقال سابق أشرنا إلى المقارنة التي عقدها الفيلسوف الألماني، أوزوالد اشبينغلر، بين دورة حياة الكائن الحي، من ناحية، ودورة حياة الحضارة أو القوة العظمى، من ناحية أخرى.

بعد دراسة عميقة لتاريخ الحضارات الزائلة يحدد إشبينغلر الرقم 250 عامًا كمتوسط لعمر الحضارة. ستحتفل أمريكا بعيد ميلادها ال 250 يوم 4 يوليو من العام القادم، لكنه سيكون احتفالًا كاحتفال الواقف أمام غرفة العناية المركزة انتظارًا لحالة ميؤوس منها بينما يملأ ترمب وحواريوه بهو المستشفى بالبالونات والألعاب النارية. 

ربما تبقى أمريكا كقوة من بين قوى أخرى في العالم، فالحضارات لا تموت فجأةً بسكتة قلبية بقدر ما تموت بسرطان متعدد المراحل. ستعاني هي منه وسيعاني من تأثيراته بقية العالم، لكننا جميعًا على الأقل نعيش في هذه الآونة لحظات تاريخية بالمعني الحرفي للكلمة.

تعليقات