د. أحمد الصاوي يكتب : غد طهران


التهديدات الأمريكية الإسرائيلية بضرب إيران ليست كسابقاتها فرائحة البارود تفوح منها بعدما أعطيت الأوامر بإجلاء تام وعاجل للسفارة الأمريكية ببغداد صحيح أن أوامر الإجلاء شملت سفارات أمريكا بدول الخليج لكن يبقى إخلاء سفارة واشنطون في بغداد الأكثر أهمية والأعمق دلالة في هذا السياق.

ربما تفصلنا ساعات عن ضربة عسكرية أمريكية ذات طابع استراتيجي هدفها حلحلة موقف طهران الرافض بدعم روسي وصيني للتخلي عن تخصيب اليورانيوم.

هل هناك مفاجأة في ذلك؟

بالتأكيد لا وبوسع أي مراقب سياسي أن يتوقع تعاظم الضغوط على القرار الإيراني بعد الضربات التي وجهت لحزب الله ولحق بها انهيار نظام الأسد إذ فقدت طهران ساحات قتال متقدم خارج أراضيها.

ومنذ مقدم ترامب شهدنا ثنائية "العصا والجزرة" عبر تهديدات نتنياهو بضرب المشروع النووي الإيراني ومطالبات ترامب بتخلي إيران عن تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها نظير رفع العقوبات وتطبيع العلاقات خاصة بعد أن فقدت طهران أوراقها التفاوضية في لبنان وسوريا.

ومن المنطقي أن تلجأ واشنطون لرفع وتيرة مطالبها لاسيما بعد أن أعاد ترامب ترتيب أوضاع أمريكا الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي حتى غدت بمثابة طوق يواجه جنوب وغرب إيران.

ومن الإشارات الهامة ذات الدلالة العميقة أن ترامب في محادثاته الهاتفية مع بوتين حول أوكرانيا طلب منه السعي لدى إيران لتوقف تخصيب اليورانيوم وربما نحتاج لحديث مستقل عن مغزى إجابة بوتين الذي قال لترامب أن عليه أن يسأل الصين أيضا بهذا الصدد وهي إجابة ملغمة فلا هي تلبي طموحات ترامب بأن تتنازل موسكو عن دعم إيران مقابل الموقف الأمريكي الذي بدا مجافيا لأوكرانيا ولا تشير لعزم موسكو على التدخل الفعال لإسناد طهران ولكن فيما يبدو أن حسابات ساحة الحرب في أوكرانيا حملت واشنطون على الاعتقاد بأن روسيا في خضم مرحلة حاسمة من الحرب لن تقدر معها على التدخل بفاعلية لمساندة إيران حال شن أمريكا هجوما عميق الأثر على منشآتها النووية.

وفي الحقيقة أنه من الغفلة أن لا تدرك طهران أن الهجمات الأوكرانية الأخيرة على العمق الروسي كانت بمثابة تجهيز لساحة قتال تتفرد فيها واشنطون بإيران لاسيما وأن سياسة الصين في هذه المرحلة من التفاوض الاقتصادي النشط مع أمريكا لا تتضمن تدخلا عسكريا خارج الصين إلا إذا شاءت العسكرية الصينية استباق خطوة أمريكية حتمية بإتجاه تايوان.

تبدو إيران وحيدة أكثر من أي وقت مضى فكل أذرعها الإقليمية عطلت ولن يكون بمقدور اليمن تعويض غيابها ولكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن توجيه ضربة استراتيجية أمريكية إسرائيلية لها سيكون نزهة أو حتى بسهولة وسرعة غزو العراق.

ففضلا عن ترسانة إيران من الصواريخ والتي تلقى دعما تقنيا هائلا من موسكو وبكين لاسيما على صعيد التوجيه النيراني عبر الأقمار الصناعية فلدى طهران قدم راسخة في العراق يمكن أن تربك حسابات أمريكا في جارتها سوريا ولديها أيضا "رهينة" آبار النفط في دول الخليج وهي بالحتم وبحكم تركيز الناتو على حماية الكيان الصهيوني تبدو أهدافا في متناول اليد الإيرانية

لا يعني ذلك أيضا أن ردة الفعل الإيرانية ستلتزم بالتكتيك الذي سبق وأن التزمت به تجاه الضربات الإسرائيلية سابقا وحتى إن التزمت بالرد المتناسب فإن الطابع الاستراتيجي المتوقع للضربة الأمريكية سيرفع من مستوى الرد الإيراني والذي يمكن بحسابات فاعلية صواريخ اليمن على قلتها وانخفاض نوعيتها قياسا بما في الترسانة الإيرانية أن تكون مؤثرة بشدة على تل أبيب 

يتبقى خارج التوقع قياس المدى الذي ستذهب له بكين وموسكو خاصة إذا ما قررا سويا أن الحرب على إيران هي جزء هيكلي من الصراع حول النظام العالمي وما طهران إلا ساحة مواجهة بين نظام القطب الأوحد "الآفل" والنظام المتعدد الأقطاب "البازغ".

لعله من الملائم هنا أن نشير لمغزى إعلان طهران أنه صارت لديها معلومات جيدة عن المشروع النووي الإسرائيلي وفي ذلك تهديد واضح بأن ردها سيطال ديمونة وسواها من المواقع التي سبق وأن رصدها الهدهد.

بالتأكيد هناك جانب أساسي في حسابات واشنطون بل على وجه الدقة في حسابات الناتو بقضه وقضيضه ألا وهو حساب المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الكيان في هذا التوقيت وذلك ربما هو العامل الأكثر حسما وأهمية ودون حاجة للإطلاع على نتائج مراقبة الأقمار الصناعية الروسية والصينية فإن سماء المنطقة العربية وصولا لعمق تركيا وحوض المتوسط بل والمحيط الهندي تشهد نشاطا محموما لطائرات الاستطلاع وأنظمة اعتراض الصواريخ الباليستية لا لشيء سوى التأكد من عدم تعرض تل أبيب لخطر مميت.

السؤال هنا عن موقف الثور الأحمر وهو يتابع افتراس الثور الأبيض وهل ستغيب عنه حكمة كليلة ودمنة؟ وأيضا موقف الثور الأبيض وهل سيهتم فقط بمواجهة الأسد أم سيختار مهاجمة الثور الأحمر لردعه؟

تعليقات