علي أبو هميلة يكتب : الكتابة على رقصات القلب


تتراقص القلوب مع كل طلعة صاروخية تخرج من طهران إلى الأرض المحتلة في فلسطين، تتوهج ويزداد النبض حتى يصل مداه مع وصول الصاروخ وإصابته الهدف، تتناغم المشاعر ويعلو الفرح مع كل سقوط على هدف منشأة، مصنع، مبنى، برج فيصاب قلب الكيان الصهوني بالألم والوجع الذي تذوقته الأمة العربية والإسلامية على مدار عامين.

ينتفض القلب فرحا وتشفى القلوب من حزن كبير مع انهيار كل منزل في تل إبيب، ونعالج جرح أطفال غزة الذين أحرقتهم قذائف الصهاينة وقنابل الأمريكان، كل حاجز حول بناية وخروج قتلى ومصابين يعالج في القلب حزنا وجرح عمليات القصف والاغتيال التي ذقناها وأوجعنا فقدان الشهداء من القادة، وأهلنا في غزة، وليصدق علينا قول الحق سبحانه وتعالى "ويشف قلوب قوما مؤمنين" 

صدمة البداية وعقدة يونيو 

كانت ليلة الجمعة الثالث عشر من يونيو عصيبة على كل العرب والمسلمين ممن يتطلعون إلى انكسار العربدة الصهيونية وهذا الاحساس لدى نتنياهو وقادة الكيان المحتل أنهم بلا رادع، وطغيان القوة لديهم المعتمد على فتح مخازن السلاح في الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، كانت الصدمة كبيرة لتزامنها مع ذكرى هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران 5 يونيو 1967، وتدمير المفاعل النووي العراقي 7 يونيو/حزيران 1981 فالشهر يحمل ذكرى أياما مريرة عربية. 

تزامن ذلك مع توقعات ملأت الفضاءات العالمية عن قرب نشوب الصراع بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسحب الولايات المتحدة للكثير من جنودها ورعاياها في المنطقة وتحذير دبلوماسيها من الأوضاع، وكذلك معظم دول العالم والمنطقة.

إذن فالعالم كان في انتظار من يبدأ الحرب، وفي الذاكرة المأساة التي حدثت صبيحة فجر الخامس من يونيو الحزين 1967، وتتكرر الواقعة ويكون للكيان الصهيوني الضربة الأولى والقاسية التي اصابت طهران وعدد من المدن الإيرانية فجر الجمعة، وكانت نتائجها كارثية باغتيال قادة الحرس الثوري، والجيش الإيراني، وعدد من العلماء العاملين بالبرنامج النووي الإيراني، وتتكرر المأساة وتترسخ العقدة العربية فيصاب الجميع بالصدمة ويزداد الاحساس بالعقدة الصهيونية وتتقزم الأحلام وينكمش الواقع ويتضاءل الجسد العربي والإسلامي مستسلما للهيمنة الصهيونية لتمتد من الأنظمة إلى الشعوب والمقاومين.

إيمان السنوار وشيخه ياسين  

بدات تتوسع حالات الاستسلام والحزن بعد سنتين من صمود وبسالة المقاومة الفلسطينية في وجه الطغيان الإسرائيلي الأمريكي الغربي، ورغم الاحساس الشعبي العالمي الذي سبق تلك الضربة بالإيمان بالحق الفلسطيني وأزدياد التحركات العالمية الإنسانية لوقف العدوان ممثلة في قوافل الصمود التي تنطلق من كل أنحاء العالم.

ها هي دولة كبرى تنهار في دقائق كما عبر رئيس وزراء العصابة الصهيونية بنيامين نتنياهو عندما قال ما حققناه سابقا في ست ساعات حققناه الآن في عشر دقائق، وبدأت سحابة سوداء تمر على العالم العربي والإسلامي منذ فجر الجمعة حتى مساء ذات اليوم حينما زعردت سماء طهران والأرض المحتلة بأول طلعات للصواريخ الإيرانية نحو الأرض المحتلة. 

كانت أكبر مآسي الجمعة الماضية هي حالة من الشماتة في ما قيل أنه أنهيار للدولة الإيرانية وسقوط الحصن الأخير أمام هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة، وقد هيمنت على قلبي حالة من الحزن والصمت جراء عشرات من التحليلات السياسية والمقالات التي اسست لتلك الهيمنة والتي إبدعت في وصف حال الدولة الإيرانية بالهشاشة والحنجوري، والضعف، وبدا لي أن هناك من ينتظرون هذا الانكسار ليقولوا لنا مرة أخرى استسلموا وسلموا مفاتيح العالم العربي والإسلامي إلى عصابة نتنياهو ومن ورائه. 

كانت نتيجة الليلة مأساوية على كل من يحمل في قلبه الإيمان بالمقاومة والنضال ونهاية هذا الاحتلال، كنت واحدا من هؤلاء ولازال لدي إيمان يحيى السنوار القائد الشهيد أن ما قبل طوفان الأقصى غير ما بعده، وإيمان الشهيد الشيخ أحمد ياسين أننا على مقربة من فتح القدس، وإيمان جمال عبد الناصر أن المعركة معركة وجود، وفي حوار تليفزيوني قبل أسبوعين قلت "أن الهجوم الصهيوني على إيران هو هروب للأمام وأن نتنياهو يمضي إلى حتفه ونهاية الكيان" وهذا أيمان ليس له علاقة حتى بتلك الضربات العظيمة التي يقوم بها حتى الآن الحرس الثوري الأيراني وسلاح الجو، وأبطال العرب في اليمن. 

الدول العريقة غير العصابات المهجنة 

استخدم جيش العصابة الصهيونية اسلوبه المعتاد في خوض معاركه في السنوات الأخيرة مند طوفان الأقصى وقبله بسنوات وهو الاغتيالات والضربات الجوية وعدم التواجد على الأرض، ولعل خسائره في غزة تكثف لديه عقدة احتلال الأرض، وكنت أرى أن الدول العريقة لا تسقط بالاغتيال، والشعوب لا تنتهي باستشهاد قادتهم، عندما يستشهد قائد يحل محله أخر، نعم نفتقد الشهداء السنوار، الضيف، نصر الله، وهنية ولكن إيماننا دائما أن خلف كل منهم عشرات ومئات من القادة. 

رغم الخسارة الكبيرة التي منيت بها طهران فجر الجمعة من اغتيال قادة الجيش والحرس الثوري والعلماء إلا أن ذلك لا يوثر في دولة بعراقة وعمق الدولة الإيرانية ذات الجذور التاريخية، والمقارنة بين دولة عدد سكانها 90 مليون تختلف عن عصابة عددها 8 ملايين، ودولة جذورها تمتد آلاف السنين، تختلف عن عصابة احتلال عمرها لم يتجاوز عشرات السنين، ومساحة دولة تقترب من مليون وسبعمائة ألف كيلو متر مربع، غير عصابة تحتل مائتي ألفكيلو متر مربع، الفروق واضحة فالدولة ذات التاريخ العريق، المساحة الشاسعة، والثروة البشرية ليس من السهل سقوطها ولا هزيمتها، ولكن للأسف نحن تحكمنا المشاعر والإعلام الذي همنت عليه العصابة الصهيونية عبر التاريخ، لذا تسقط عقولنا سريعا، لتبدأ مرحلة يستدرجون إيران لمصير العراق. 

عقدة سقوط بغداد 

الحديث عن قدرات إيران النووية، والمفاوضات التي سبقت الحرب الدائرة الآن على الشاشات، والضربات المتبادلة بين قوات الجمهورية الإسلامية والجيش الصهيوني، ثم استفزاز إيران ودفعها إلى حرب مع الكيان الصهيوني أعاد إلى الذاكرة القدرات العسكرية العراقية قبل مأساة احتلال الكويت، وما تبعه من حصار العراق وتدميرها كاملا بالاحتلال الأمريكي 2003  بعد حصار 13 عاما، وقد أطلت على الكثير من الشعوب العربية مأساة العراق مع تلك الأجواء التي صاحبت مفاوضات إيران/ الولايات المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني، ثم بدء الحرب.

وبدأت نغمة جر إيران إلى الحرب، واسقاط نظامها، وتبدبله بنظام مشابه للأنظمة في المنطقة مهادن، مسالم، مستسلم للهيمنة تتصاعد، ولما لا وقد سبق للكيان حسب زعمهم تدمير كل قوى المقاومة، فلتكن إيران نهاية من يساعد ويقف مع المقاومة، ومن ثم تنهار الحركة الإسلامية (حماس) في فلسطين والمقاومة، والحوثيين في اليمن، ويهيمن الكيان الصهيوني الأمريكي على الأمة عربية أو إسلامية، ولنرفع الراية البيضاء حتى تتحقق أحلام العقلاء في الأمة، الذين يدركون دائما أننا لسنا في حالة تسمح بالمقاومة أو النضال، وأن التقدم التكنولوجي والمعلوماتي والديمقراطي الغربي يستحق أن يهيمن على اصحاب الحنجوري العربي المقاوم. 

لقد تناسي  هؤلاء عن كل الاختلافات التاريخية بين ما حدث في العراق في السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي، وما يحدث الآن،  عندما يقرر أحدهم التحليل السياسي الذي أصبح متاحا للجميع، يتعامون عن ظروف العالم في تلك السنوات والآن.

في نهاية القرن الماضي كان العالم ينظر للكيان الصهيوني أنه (دولة) تتعرض لهجوم كل المنطقة، وأن العرب الأرهاببين يريدون أن ينقضوا عليها لمحوها -لازلنا نسعى لهذا وسيحدثـ وأن كل الدول المحيطة بالكيان تكن الكراهية له ـلازلنا نكنها- وأنها دولة يحيط بها من كل جانب الأشرار، وعلى أمريكا والعالم الغربي أن يحمي الحمل الصهيوني من أسود وأشاوس العرب، هذا الوضع العالمي يختلف الآن وأن كانت الأنظمة لا زالت تدافع عن الكيان الصهيوني إلا أن طوفان الأقصى  وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل غيرت وجهة نظر شعوب أوروبا، والآن أصبح من الصعب على نظم الحكم في هذه الدول أن تقبل بما قبلته في العراق. 

إيران ستحل عقد بغداد 

أصبح من الصعب الآن على الولايات المتحدة أن تشكل تحالف مع دول المنطقة وتشكل جيوش تتوجه إلى الجمهورية الإسلامية، فإيران رغم سنوات الحصار الطويلة دولة كبيرة استطاعت أن تكون ركنا أساسيا في المنطقة وإحدى القوى الكبيرة فيها مصر، تركيا، وإيران ثلاث ركائز لهذه المنطقة، ولن تتغير بحكم الجغرافيا، والعمق التاريخي والثقافي، وتحالف هذه القوى يعيد للأمة العربية والإسلامية مكانتها.

لعل ما أشار إليه مرشد الدولة الإسلامية في حديثه ليلة أمس عن مصر ما يؤكد جذور العلاقة بين البلدين، وحرص تركيا على الدولة الإيرانية أيضا يؤكد ذلك، إذن فكرة تحالف ضد إيران غير واردة، ثم هذا النفي المتتالي لترامب عن مسؤوليته عن العدوان يؤكد استحالة تحقيق فكرة سقوط بغداد مرة أخرى رغم أحلام الواهمين بالخلاص من إيران، جمهور عربي يتجاهل التاريخ ويحكم بمشاعر مصنوعة بإعلام صهيوني. 

لازالت في جعبة الأيام القادمة الكثير يتوالى انطلاق الصورايخ الباليستية متعددة الرؤوس على تل أبيت، تتعالي الصرخات فتشكل كونشرتو موسيقي في الأذن النقية المتسامحة، ويهرب الملايين إلى الملاجيء فتنسجم نبضات القلب وتنضبط، تنهار المباني فكأن أبو عبيدة يشجينا بصوته، رغم كل هذا ورغم أننا لا نملك التنبأ بالمستقبل إلا أننا نؤمن أن نصر الله قادم، وأن السنوات  ستشهد نهاية الكيان الصهيوني، وأن طوفان الأقصى بداية النهاية، وأن الشعب العربية رغم محاولات تشوية عقله ووجدانه إلا أن الفطرة العربية مع إيران بكل مشاعرها، وللجميع أن يرى فرحة عيون أبناء فلسطين وغزة ليدرك، وعسى أن يكون نصر الله قريب. 


تعليقات