علي أبو هميلة يكتب : الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني


الضربة الترامبية الخالصة التي اختص الرئيس الأمريكي نفسه بها متخطيا الكونجرس الأمريكي، ومتخطيا الدستور الأمريكي نفسه باستخدام القوة العسكرية في مهاجمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية دون موافقة الكونجرس.

ذهب ترامب  إلى استهداف ثلاث منشأت نووية إيرانية معرضا القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم لخطورة رد الفعل الأيراني، حيث قامت فجر الأحد القاذفات الأمريكية بضرب المنشأت النووية في فوردر، قم، وأصفهان.
ترامب يجعل العالم في عرضه لنشوب حرب عالمية كبرى وفي أقل تقدير حرب تشارك فيها أطراف إقليمية وتهدد دول المنظقة إشعاعيا وخاصة حلفاء أمريكا من العرب وخاصة إذا تهور رد الفعل الإيراني بضرب مفاعل ديمونا الصهيوني في النقب، هذه الضربة التي اعلنها ترامب على حسابه الخاص ثم استعرض بحديثه الإعلامي في البيت الأبيض قد تجر العالم إلى كارثة كبرى. 

ملاحظات مبدئية 

الملاحظة الأولى بعيدا عن تأثير الضربات التي لم تظهر كليا بعد هو حالة الأستعراض الكبرى التي بدت في كلمات ترامب عبر تدوينته على حسابه والذي أكد فيها تدمير مقدرات المشروع النووي الإيراني، وأن إيران أصبحت غير قادرة على إنتاج سلاحها النووي، وإشار ترامب أن عليها (إيرلن) أن توقف الحرب الدائرة على الكيان الصهيوني، الدخول في مفاوضات سلام (استسلام) مع إسرائيل والعودة للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية حول مشاريعها المستقبلية في مجال تخصيب اليورانيوم ومفاعلاتها النووية هكذا فهمت ؟! 

توالت التصريحات من ترامب ثم من نتنياهو رئيس وزراء عصابة الكيان الصهيوني الذي أكد عظمة الضربة الإمريكية التي أنهت المشروع النووي الإيراني، وذهب نتنياهو ووزراء حكومته أنه إعلان انتصار على إيران وتحطيم أمالها في المستقبل، وخرجت بعض مظاهر للاحتفال الصهيوني بالضربة الترامبية على إيران، وبدأ فرض شروط الخضوع على الجمهورية الإسلامية، وبحسب خيال نتنياهو فقد انتهت عناصر محور الشر (المقاومة) وأصبح للكيان الصهيوني اليد الكبرى في المنطقة ليعيد تشكيل الشرق الأوسط كما إدعى في بداية حربه على غزة، ودعى بن غفير الرب ليبارك في ترامب وقراره. 

في زحام التصريحات الكثيرة التي إدلى بها الكابوي الأمريكي ترامب والتي أغرقت كالعادة وسائل الإعلام في أعقاب الضربة على منشأت إيران النووية جاء تصريح على لسان الخارجية الأمريكية أن الدبلومسية الأمريكية أخبرت إيران بتلك الضربة؟! أي أن الولايات المتحدة حذرت إيران قبل إطلاق القاذفات التي حملت 30 طنا من المتفجرات وقعت على المنشأت الثلاثة، ثم كان التصريح الثاني على لسان ترامب أن الدور الأمريكي في هذه الحرب أتهى بعد هذه الضربة التي يقول أنها دمرت تماما المنشأت الثلاث، التصريحان السابقان ربما يشيران أن ما نذهب إليه من استعراضية الضربة الأمريكية. 

كأن ما حدث متفق عليه، أو كأن الولايات المتحدة او تحديدا الرئيس الأمريكي كان مضطرا لهذه المشاركة فإعلن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بها وبالتالي إخذت إيران احتياطات بنقل المواد النووية منها حسب تصريحات خرجت من رئيس هيئة التليفزيون الإيراني، ثم  كان التصريح الثاني عن توقف الدور الأمريكي في الحرب ما يقول لإيران لا داعي للرد على تلك الهجمات. 

خداع مستمر 

تعرضت الجمهورية الإيرانية لعملية خداع جديدة من البيت الأبيض والرئيس الأمريكي بعد ما حدث قبل العدوان الصهيوني فجر يوم الثالث عشر من يونيو الجاري بعد دعوة ترامب لإيران لجلسة مفاوضات قبل العدوان الإسرائيلي بيوم واحد بينما يعرف ترامب أن الكيان يجهز للعدوان، واليوم يخدع ترامب الجميع بما فيه الكونجرس الأمريكي وبالطبع إيران عندما صدر تصريحا من المتحدث الرسمي للبيت الأبيض يقول أن ترامب سيقوم بتقييم الموقف من إيران او أمكانية المشاركة بضربها خلال اسبوعين ولم يمض يومان حتى كانت الضربة الأمريكية لمنشأت إيران النووية. 

لم تتوقف عملية الخداع على الولايات المتحدة بل أمتدت إلى أوروبا التي دعت عدة فرنس، بريطانيا، ألمانيا وزير الخارجية الإيرانية لمفاوضات في جينف حول المشروع النووي الإيراني، هذا في الوقت التي تتجهز فيه الولايات المتحدة الأمريكية للهجوم على إيران، فهل هذا مستبعد أرجوك تذكر الدور الأوروبي في ضرب العراق وخداع أوروبا والسفيرة الأمريكية غلاسبي لصدام حسين قبل غزوه الكويت، الآن تكرر أوروبا وأمريكا نفس الخداع مع إيران. 

غادر الوزير الإيراني جينف إلى تركيا لأجتماع وزراء خارجية منظمة الوحدة الإسلامية وبينما الأجتماعات قائمة تجيء الضربة الأمريكية بما يعني أن الولايات المتحدة لاتعطي أهمية للدول 57 المجتمعة في إسطنبول، وأن كل الاتصالات التي تمت بين الولايات المتحدة وبعض الرؤساء العرب أو المسلمين لا تعدو أكثر من غطاء أمريكي لضربهت إيران ومنشأتها النووية. 

تهوين من الضربة 

المؤكد أن إيران كانت على علم بالضربة الأمريكية ليس بعد إبلاغها حسب تصريح من البيت الأبيض ولكن خلال الأسبوع الماضي كانت كل التقارير تذهب إلى أن الضربة قادمة، وبالتالي فمن الغباء إلا تكون إيران قد استعدت لذلك دفاعيا أو حسب ما جاء على لسان الكثير من قادتها بعد الضربة أنه تم نقل المواد النووية المهمة والعلماء الإيرانيين إلى مكان آمن، وأن لم يكن حدث فتلك خيانة للأمة الإيرانية تضاف لسلسلة الخيانات التي تتعرض لها من طابور الجواسيس الطويل فيها. 

لكن هذا الاستعداد لا يعني هذا التقليل من شأن الضربة الأمريكية الذي ظهر من خلال تصريحات القادة الإيرانيين، وصل الأمر ببعضهم إلى التصريح أن المنشات الثلاثة تعرضت لهجوم معادي جزئي، وأنه لم يسمع أصوات انفجارات في المناض التي تم قصفها بثلاثين طنا من المتفجرات، وأن إضرارا سطحية أصابت تلك المنشأت.

أدرك أهمية المحافظة على الحالة المعنوية والنفسية للشعب الإيراني وكل المساندين، والمتعاطفين مع إيران في كل بلاد العرب والمسلمين خاصو هؤلاء الذين ينهارون بسهولة -معلقين بالقشةـ لكن التقليل الهائل ربما يكون أكثر ضررا من تقديم الحقيقة، ولغياب الصورة من الطرفين نبقى نحن أسرى لاستعراض القوة الترامبي، أو تهوين الضربات الإيراني.

ربما كان ما تم خروج للولايات المتحدة من الصورة وإبقاء الوضع كما هو عليه لنرى من يبقى إيران ومحور المقاومة أو الكيان الصهيوني، يقيني أنه حتى لو تعرضت إيران لخسائر كبرى فإن الكيان  الصهيوني كتب نهايته في غزة عالميا بما خسر من ارأي العام العالمي، ووجوديا قريبا جدا بما يحدث داخله من هزات عميقة يصعب على حالة نتنياهو ووزراءه الهيستيرية بإعلان الفرحة الكبرى بالضربة الترامبية علاجها.  


تعليقات