تقرير حقوقي: تقديرات بـ 3500 حالة اختفاء قسري في شمال سيناء منذ 2013

 

قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إن "تقديرات نشطاء محليين وفاعلين قبليين تشير إلى وجود بين 3000 إلى 3500 حالة اختفاء قسري في محافظة شمال سيناء بين عامي 2013 و2025"، حسب تقرير حمل عنوان "في غياهب الجب: قصص غير مروية لمدنيين ابتعتهم المعتقلات السرية في سيناء". فيما وثقت المؤسسة بشكل مباشر 863 حالة اختفاء لا يزال مصير أصحابها مجهولًا حتى لحظة إعداد التقرير.

وقال مدير المؤسسة، أحمد سالم، إن التقرير لا يهدف فقط إلى التوثيق، بل "الدفع نحو مساءلة حقيقية، وفتح باب الأمل في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة".

وذكر التقرير أنه لم يشمل الحالات التي تمكنت عائلاتها من معرفة مصير ذويها، سواء بالاعتقال أو الوفاة، مشيرًا إلى أنه استند إلى مقابلات مع 42 ناشطًا محليًا وزعيمًا قبليًا من مختلف مناطق شمال سيناء، اشترطت المؤسسة أن يكون لديهم اطلاع مباشر أو غير مباشر على قضايا الاختفاء القسري والانتهاكات المرتبطة بها.

تفتيش وحملات عشوائية

ووفقًا للتقرير ارتبطت موجات الاعتقال والإخفاء الجماعية بنقاط التفتيش والحملات العشوائية مع تصاعد هجمات تنظيم "ولاية سيناء" في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش، وامتدادها غربًا إلى منطقتي بئر العبد وجلبانة، ووثق التقرير حالات استدعت فيها الأجهزة الأمنية مواطنين للتحقيق، ثم اقتيدوا بعدها إلى أماكن احتجاز غير رسمية، لتبدأ رحلة اختفائهم.

وأشار التقرير إلى أن السكان المحليين اعتادوا التعرض لإجراءات تحقيق وتفتيش دقيق عند حواجز التفتيش العديدة، و قد يمتد الاحتجاز لساعات طويلة بغرض مراجعة قوائم المطلوبين قبل السماح بالمغادرة أو الاعتقال"، كما وثق التقرير حالات "تلقي أشخاص اتصالات هاتفية من جهة أمنية تبلغهم بضرورة حضورهم لمقر أمني للتحقيق، ليتم نقلهم لاحقًا إلى مكان احتجاز غير رسمي، ثم يختفون".

واستعانت المؤسسة في تقريرها بشهادات لعدد من أهالي المختفين قسريًا، فيما أشار أحدهم إلى أنه عندما قدم شكوى إلى جمعية "الوسيم" التابعة لرجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني عن اختفاء ابنه، كان الرقم التسلسلي لبياناته 2870، مما يعطي مؤشرًا على حجم الظاهرة.

وقال مدير المؤسسة أحمد سالم لـ المنصة، إن الجمعية التابعة للعرجاني فتحت مقراتها في شمال سيناء لتلقي بيانات المختفين، رغم عدم صدور إعلان رسمي بذلك، لكنه قال "نحن في مجتمع صغير، والمعلومات تتناقل سريعًا".

"تعذيب وإهمال طبي"

واستعرض التقرير شهادات ناجين وذويهم، كشفت عن انتهاكات "جسيمة في أماكن احتجاز غير رسمية"، شملت التعليق لفترات طويلة، والصعق الكهربائي، والتهديد أو الاعتداء الجنسي، والحرمان من الرعاية الصحية، ما أدى في بعض الحالات إلى الوفاة.

ودعت المؤسسة السلطات المصرية إلى التوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، وتعديل تعريف "التعذيب" في قانون العقوبات، والانضمام للبروتوكول الاختياري الثاني لاتفاقية مناهضة التعذيب.

كما أوصت بإغلاق أماكن الاحتجاز غير الرسمية، وإطلاق سراح المحتجزين تعسفيًا، وتشكيل لجنة مستقلة من القضاة والحقوقيين وزعماء القبائل للتحقيق في جميع حالات الاختفاء، مع صرف تعويضات للضحايا وذويهم.

ودعت المؤسسة إلى تمكين المجلس القومي لحقوق الإنسان من ممارسة دوره في رصد ومساءلة المتورطين، وإنشاء هيئة تابعة للنائب العام للنظر في بلاغات الاختفاء، والرقابة على كافة أماكن الاحتجاز والتحقيق في الحالات غير الرسمية.

وقالت المؤسسة إنها وجهت خطابات رسمية لعدد من الجهات الحكومية، منها وزارات الدفاع والداخلية والمجلس القومي لحقوق الإنسان، تتضمن استفسارات حول حالات الانتهاك، إلا أنها لم تتلق ردًا حتى لحظة نشر التقرير.

وأوضح سالم أن "التقرير محاولة لرد الاعتبار لعائلات لم يسمح لها حتى بالحزن، ولضحايا طُمست أسماؤهم وأصواتهم في زنازين لا تخضع لأي رقابة قضائية"، مبينًا أن المؤسسة عملت على مدار سنوات، على توثيق شهادات أهالي المختفين قسرًا، وتحليل البيانات الرسمية وغير الرسمية، في محاولة لفهم ما جرى في سيناء خلال "عقد من الانتهاكات المنهجية"، على حد قوله.

وأكد سالم أن "غياب الشفافية ورفض السلطات فتح قنوات تواصل حقيقية مع المنظمات المستقلة لا يزيد الأمر إلا غموضًا ومعاناة لعائلات الضحايا، ويزيد من أزمة السجل السيء أساسًا للحكومة المصرية فيما يتعلق بحقوق الإنسان".

وأوائل يوليو/تموز الجاري، جددت المفوضية المصرية للحقوق والحريات مطالبة السلطات بالتصديق الفوري على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2006 ودخلت حيز التنفيذ عام 2010، ولم توقع عليها مصر "التي اتسع فيها نطاق الاختفاء القسري خلال السنوات العشر الماضية"، حسب بيان المفوضية.

ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أصدر الفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، تقريره الخاص بمراجعة السجل المصري في حقوق الإنسان، متضمنًا 343 توصية حقوقية من 137 دولة، أبرزها مكافحة الإخفاء القسري وإنهاء تدوير المحتجزين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وضمان حرية الإعلام.

وفي وقت سابق طالبت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة الحكومة المصرية، بـ"إغلاق جميع أماكن الاحتجاز غير الرسمية"، و"تجريم الإخفاء القسري صراحة"، مع التحقيق في جميع حالاته.


 


تعليقات