لم أتفاجأ كثيرا بالتشكيل الجديد للمحجلس الأعلى للثقافة الذي أصدره رئيس وزراء مصر منذ يومان فقط فقد تأملت الأسماء الموجودة فلم تكن تخرج من سياق عام يمشي في الدولة المصرية منذ سنوات، التشكيل الجديد الذي يضم في سياقه شيوخ الأصغر فيهم يقترب من السبعين ربيعا لأ يفاجيء إلا الحالمين، وأصحاب العمر الصغير أمثالي فقدوا تلك القدرة على الحلم في السنوات الأخيرة.
شباب في السبعين
الأسماء الواردة في التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة يبدو وكأنه مجلس أعلى جدا أعلى في السن، وأعلى في الشيوخة العمرية مما حدا بأحد الاصدقاء أن يطلق عليه للمقابر، بينما قال أخر ألم يجدوا طفلا في الستين يلعب بجوارهم ليطفي بعضا من الحركة للفرقة العاجزة عنها، الملاحظة الثأنية أن أغلب التشكيل أسماء تتكرر في كل اللجان والتشكيلات وكأن مصر ليس بها إلا هؤلاء، وجاء الشابان راجح دوواد، ودرية شرف الدين في قائمة الأصغر سنا بين التشكيل العجوز جدا، والشابة جدا نيفين الكيلاني 61 عاما وأعتقد أن مدبولي أختارها لتكون فاكهة المجلس والطفلة المدللة.
راجح دوواد موسيقار مبدع وأحد أهم مولفي الموسيقى في مصر، وهو شخص مهذب جدا ومثقف جدا،وقادني الحظ لأعمل معه منذ 25 عاما في أحد الأعمال الدرامية، واستمتعت بموسوعته الفكرية والثقافية ووعيه بتاريخ مصر وتاريخ الموسيقى عالميا ومحليا، وككل المبدع له عالمه الخاص البعيد كثيرا عن الاحتكاك بالعالم الخارجي، ولكن راجح أيضا تخطى السبعين عاما فما بالك وطابعه الأنغلاق والبعد عن الناس،فماذا تفيد عبقرية راجح الحقيقية في مجلس أهم ما يعتمده هو الحركة؟
العضو الثاني في تشكيل المجلس ويبدو صغيرا فهي الأعلامية درية شرف الدين وهي من جيل الرواد في ماسبيرو فضلا عن أن السيد أحمد المسلماني عينها رئيس لأكاديمية التدريب في الهيئة الوطنية للإعلام منذ شهور، وتقترب السيدة شرف الدين من السابعة والسبعين، ولعل شباب الستين مثلي يتذكرون في طفولتهم برنامجها الوحيد في ذاكرة ماسبيرو (نادي السينما) هؤلاء هم شباب المجلس الأعلى للثقافة الجديد.
أجيال سوق الأنتيكا
لاأدري السر أيضا وزراء تواجد مصطفي الفقي العابر للأجيال، وعلى الدين هلال أبن منظمة شباب الستينات، ومفيد شهاب رفيق على في المنظمة الشبابية الناصرية في هذا التشكيل العجيب للمجلس وقد تجاوزت أعمارهم الثمانين على التوالي 81،84،89، أما باقي المجلس سلماوي، القعيد، بدرخان، وأحمد عبد المعطي حجازي فهم في يلعبون في نفس العمر،,ان كان أكبرهم حجازي 91 عاما، تصور حضرتك الفائدة التي تعود على المجلس الأعلي للثقافة من تواجد مفيد شهاب وهو على مسافة عام واحد من التسعين، ولا ندري سر بحث مصر الدائم في مخازن الأنتيكات التاريخية، ودفاترها الفرعونية لتشكيل كل لجانها، وتولية كل مناصبها.
تصور أن مصر الشابة 65% من تعدادها ما بين ال 18عاما و 45 لا تجد بين هؤلاء من يكون على رأس مجلس مهمته تقديم الثقافة ورعايتها، أو بين رجالها فوق الخمسين من يتولى المسؤولية، حتى في السياسية عندما تبحث عن مرشح رئاسي (أعوذ بالله يعني) للترشح للرئاسة تجد من يتحدث عن البرادعي 83 عام دفعة علي الدين هلال، عمرو موسى 89 عاما دفعة مفيد شهاب، أو حتى حمدين صباحي الذي يبدو الأصغر 71 عاما دفعة راجح دوواد أيضا، هذا تفكير غاليبة الشعب المصري نعيش شيخوخة في كل شيء حتى أحلام القيادة، ويصبح أصحاب الخمسين عاما بتعبير مصري (دول لسه صغار)
نزعة شبابية بداية القرن
في بداية الألفية الجديدة شهد العالم كله حالة من نزعة الشباب وأتيحت لمجموعات شبابية الظهور في العالم ورأينا رئيس أمريكي شاب باراك أوباما، ورئيس وزراء فرنسي، وأخر بريطاني، وظهر على السطح في مصر شباب برز في مجالات السياسة والثقافة والإعلام وشكل جمال مبارك بفرقته الشبابية عالما من الشباب تختلف أو تتفق معه هذا موضوع أخر.
لكن مصر شهدت أسماء تقترب من منتصف الأربعينات تستخوذ على مناصب ولجان عليا، ويبدو أن مصر (الدولة العميقة) لم ترضى عن ذلك، وكانت القمة في شباب ثورة يناير الذين قادوا الثورة وكان معظمهم في العقد الثالث من العمر، ولكنهم كانوا أخف كثيرا تماسكا وحلما من جيل جمال مبارك.
تاريخيا مصر الشابة في العصر الحديث لم يشهدها سوى عهدين يعتبرهم الكثير من المصريين اختلفوا مع العهدين أو اختلفوا عصور نهضة، هما عصر محمد على باشا وهو العصر الذي قاده شاب عمره 36 عاما وشهد عصر تطورات جذرية في مصر وقاد أغلبها الشباب الذي علمهم وأبتعثهم الوالي لأوروبا، ذلك رغم أن الباشا ظل يحكم لمدة 43 عاما.
العصر الثاني الشاب في العصر الحديث كان مع جمال عبد الناصر الذي تولي الحكم في نفس عمر محمد على 36 عاما، ولكنه قاد ثورة غيرت شكل المنطقة العربية قبل ذلك بعامين، وقد رافقه حتى أخر أيام شباب قادوا مصر في كل المجالات مدنيين أو عسكريين أمثال عزيز صدقي وزير الصناعة ورئيس الوزراء في عهد أنور السادات وعمره 36 عاما أيضا أما محمد فائق فقد تولى وزراة الإعلام أوخر عهد جمال عبدالناصر وعمره 27 عاما.
لم ترض مصر طويلا عن ذلك بعدما توفي جمال عبد الناصر في عمر 52 عاما، أي لو كان مواليد هذا الجيل لبقى يلعب على المقاهي ألعاب رياضية حتى وفاته، وكم من أصحاب نفس العمر الآن ماتوا ولم يحققوا أي حلم لهم أو ماتوا على المقاهي، استعادت مصر طبيعتها الشيخوخية في أواخر عصر السادات، وفي ثلثي عهد مبارك، ثم عادت الآن لتجد في شباب الخمسينات والستينات ملجأها وقد تخطوا الثمانين.
هل عقمت مصر؟
هل أصاب مصر العقم حتى نجد نفس الأسماء تتكرر كلما احتجنا لجان، مجالس، نواب، قيادات في كل المجالات، بالتأكيد لأ لكنها أجيال كاتمة على نفس الشباب، في كل مجال ستجد الآلاف من الشباب الذين نحتوا أسماءهم في العلوم والفنون والثقافة والإعلام، والسياسة، ولكن ما من فرصة.
هل تريد مني الآن أن أكتب لك عشرات الأسماء التي تفيد كثيرا في تشكيل المجلس الأعلى للثقافة بدلا لجيل دفاتر مصر العتيقة؟ سأكتب، فقد عايشت المجلس وطبيعته في بدايات القرن وكان يقوده جابر عصفور وكان عمره منتصف الستينات (شاب جدا) وعماد الدين أبو غازي منتصف الأربعينات في ذلك الوقت، وأحمد مجاهد 38 عاما في تلك الفترة، بالنظر نجد أمثال هذه القيادات الآن لازال أمامها على الأقل ثلاثين عاما ليحلموا بتشكيل في المجلس الأعلى للثقافة.
حضرت مؤتمرات، ندوات، احتفاليات، أيام فكرية وإبداعية، وغالبا كان هناك نشاط يومي للجملس ولجانه، وكان إنتاجه الفكري والثقافي لا يتوقف، وتعرفت على مئات المفكرين والمبدعين علماء، أدباء، شعراء، باحثين، ورغم تحفظي على النشاط المتمركز في القاهرة إلأ أن المنتج المصري والعربي الخارج من المجلس الإعلى للثقافة كان رائعا، وكان المسؤولون عنه يتواجدون يوميا، فهل سيتواجد جيل الأجداد من تشكيل المجلس هناك يوميا أم يدخل المجلس الأعلى للثقافة ثلاجة الموتى، أم أن ذلك هو التعبير الحقيقي عن رؤية رئيس الوزراء المصري للحالة المصرية عامة.
المصدر : الجزيرة مباشر نت
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق