ما من بلد حكمه الليبراليون الجدد إلا وتعرضت الطبقة الوسطى فيه لمخاطر شتى تبدأ بتقليص أعدادها ودخلها وتمر بوقف نموها وتنتهي بدفعها إلى مستوى قريب من خط الفقر.
والمتأمل لجوهر سياسة الليبرالية الجديدة سيجد أنها تقلص من دور الدولة في الاقتصاد عن طريق بيع مشروعاتها للقطاع الخاص وتقليل ضرائب الطبقات العليا مع الإبقاء على ضرائب الطبقة الوسطى كما هي تقريبا
وزيادة على ذلك فهي تقلل من الإنفاق العام ومن ثم تتراجع الوظائف ورواتبها في القطاع الحكومي بإملاء صريح من صندوق النقد الدولي فيما يعرف بسياسات التثبيت الاقتصادي
إلى هذا الحد يبدو تهميش الطبقة الوسطى كنتيجة جانبية للسياسات التي يتبناها الليبراليون الجدد ولكن بالنظر إلى التعديلات التي أدخلت دوليا على قوانين العمل ثم اعتماد الليبرالية الجديدة على تقليص نفقات التوظيف لخفض تكلفة منتجاتها الصناعية فإن الطبقة الوسطى يتم استهدافها بشكل عمدي لأنها تحصل على رواتب بشكل مستقر مما يؤثر على صافي أرباح الشركات الرأسمالية ولذا يبقى التخلص من أكبر عدد ممكن من أصحاب الياقات البيضاء هدفا رأسماليا مفهوما
ومما له دلاله في هذا السياق أن الرأسمالية التابعة أو رأسمالية وكلاء الرأسمالية العالمية (الكمبورادور) تفضل دوما الاستثمار في مشروعات البنية التحتية المنتهية كالطرق والكباري والمجاري لأنها لا تتطلب عمالة مستمرة كثيفة فضلا عن أن تغيبب أصحاب الرواتب بشكل عام يتيح للفساد المالي فرصا ذهبية لحصد المكاسب الغير قانونية حيث لا يوجد بند التزام شهري بالرواتب يصعب تجاوزه أو التقاعس في دفعها دون أن تنشب نزاعات صاخبة ممن تأخرت استحقاقاتهم.
إن اللامساواة في توزيع الدخل وأيضا في أعباء الضرائب تستهدف الطبقة الوسطى برواتبها التي تزيد بشكل محلوظ عن رواتب العمال أو ذوي الياقات الزرقاء وحرمانها من فرص التوظف يبقى خيارا رأسماليا لتقليص النفقات والحد من مشاركتها عوائد الأنشطة الاقتصادية.
وفي بلدان العالم الثالث التي شهدت نموا متزايدا للطبقة الوسطى في غمار تحديث التعليم والبنية الاقتصادية والاجتماعية يتم استهداف تلك الطبقة البازغة، ومنذ أمد زمني قصير بحث كل من صندوق النقد والبنك الدوليين عن تخلي الدول عن التوظيف الكامل للموارد سواء الاقتصادية أو البشرية لإبقاء تلك الدول عند مستوى تطور متدني يفسح الطريق أمام المنتجات المستوردة بل والخبراء من الأجانب.
إنها الرأسمالية المتوحشة التي تلتهم نصيب الطبقة الوسطى من الدخل الوطني وتريد الحد من تأثيرات تلك الطبقة على سير الحياة اليومية
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق