قالت منظمة بتسليم الإسرائيلي إنه منذ
أن بدأت إسرائيل حربها المدمرة على قطاع غزة وحتى أيار 2025، أُصيب في
الهجمات الإسرائيلية ما يزيد عن 100,000 شخص، غالبيتهم العظمى من المدنيين.
بالإضافة إلى الأضرار الجسيمة التي ألحقتها بالمدنيين، تشنّ إسرائيل هجومًا
مباشرًا ومنهجًيا ضد مختلف البنى التحتية الصحية في قطاع غزة، متجاهلةً الحماية الخاصة التي
يمنحها القانون الدولي للمستشفيات والطواقم الطبية والجرحى والمرضى.
وقد أفاد تعميم نشرته
جمعية "أطباء لحقوق الإنسان" في آذار 2025 بأنه في أعقاب الهجمات
والحصار الذي فرضته إسرائيل، انهارت المنظومة الصحية في القطاع بشكل كامل،
تقريبًا. كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن 17 فقط من أصل
36 مستشفى في القطاع لا تزال تعمل حاليًا،
لكن جميعها بشكل جزئي للغاية. من بين 3,560 سريرًا استشفائيًا كانت تضمّها
المستشفيات قبل الحرب، لم يتبق اليوم سوى 1,685 سريرًا. من بين 105 غرف عمليات، لم
يتبق سوى 45 غرفة، وهناك نقص في حوالي 87% من المعدات اللازمة لجراحة العظام. في
ظل هذه الظروف، لا تستطيع الطواقم الطبية تقديم العلاجات اللازمة للمرضى والجرحى.
وأفادت جمعية "أطباء لحقوق
الإنسان"، أيضًا، بأنه على الرغم من تدمير المنظومة الصحية في القطاع، إلا
أنّ إسرائيل تمنع الغالبية
الساحقة من المرضى والجرحى من الخروج لتلقي العلاجات الطبية في الضفة الغربية أو
في دول ثالثة. منذ إغلاق معبر رفح في أيار 2024 وحتى وقف إطلاق النار المؤقت في
19.1.25، تم إجلاء 450 مُصابًا فقط من القطاع. وخلال وقف إطلاق النار، الذي
انتهكته إسرائيل في 18.3.25، تم إجلاء حوالي 1,680 مُصابًا إضافيًا من القطاع،
جميعهم عبر معبر رفح، باستثناء ثمانية منهم عبر معبر كرم أبو سالم. منذ ذلك الحين،
وعلى مدار أكثر من ثلاثة أشهر، تم إجلاء حوالي 280 مُصابًا فقط. في القوت الحالي،
ثمة في القطاع نحو 14,380 مُصابًا بحاجة إلى علاج طبي عاجل غير متوفر في القطاع.
وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن 513 مُصابًا، على الأقل، قد توفوا خلال
انتظارهم الحصول على تصريح للخروج بغرض تلقي العلاج الطبي.
هاني زيارة في المستشفى بعد إصابته.
في المستشفى، يتم تنظيف جروح هاني مرة
واحدة كل يوم، في غرفة العمليات تحت التخدير. منطقة الحوض في خطر دائم من التلوث
بسبب قربها من فتحة الشرج ومجرى البول. خضع لعملية جراحية أخرى في البطن ووُضعت له
فغرة (فتحة صناعية). حالته صعبة للغاية. إنه بحاجة ماسة إلى علاج خارج القطاع لأنه
لا تتوفر ظروف مناسبة له في المستشفى ولا أدوية ولا مسكنات للألم. لقراءة إفادة ليلي زيارة الكاملة عن بتر
ساق ابنها الرضيع هاني جرّاء القصف
غياب العلاج والتأهيل الملائمين لمصابي
ومبتوري الأطراف
في شهر كانون الثاني 2025، أفادت منظمة اليونيسف بأن
عدد الأطفال مبتوري الأطراف في القطاع هو الأكبر في العالم، نسبة إلى عدد السكان.
وفقًا لتقرير نشرته منظمة الصحة العالمية (WHO) في شهر أيار 2025 [نسخة منه محفوظة لدى بتسيلم]،
أُصيب أكثر من 15,000 شخص في أطرافهم ـ وهو نوع الإصابة الأكثر شيوعًا في الحرب
الحالية ـ وأكثر من 2,000 شخص تعرضوا لإصابات في العمود الفقري أو عانوا من أضرار
دماغية رضّيّة. ووفقًا لبيانات قدمتها وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة لـجمعية
"أطباء لحقوق الإنسان"، فقد اضطر أكثر من 4,700 شخص للخضوع لعمليات بتر
أعضاء، من بينهم أكثر من 940 طفلاً وحوالي 370 امرأة.
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، حتى
أيار 2025، كان رُبعٌ، على الأقل، من الجرحى الذين زاد عددهم عن 116,000 شخص في
قطاع غزة، بحاجة إلى علاج تأهيلي متواصل، لكن معظم خدمات إعادة التأهيل توقفت عن
العمل بسبب القصف والحصار والتدمير المتعمد للبنى التحتية الصحية. وتعمل خدمات
إعادة التأهيل حاليًا في ثلاثة مستشفيات فقط في القطاع: "مستشفى الوفاء"
في حي الشجاعية في مدينة غزة، و"مستشفى حمد لإعادة التأهيل"، في شمال
مخيم الشاطئ للاجئين في مدينة غزة، و"مستشفى الأمل" في مدينة خان يونس.
وتعاني مراكز إعادة التأهيل هذه من حالة انهيار تحت العبء وتواجه قوائم انتظار
تضمّ مئات المصابين، إضافة إلى تقصير أيام الاستشفاء، خلافًا لتوصيات الأطباء،
وحالة الاستنزاف التي تعاني منها الطواقم التي تُركت بدون معدات أساسية، مثل
طاولات العلاج وأجهزة الحركة والأطراف الصناعية والضمادات.
مَلَك الشرفا بعد إصابتها.
قصفت الطائرات منزلنا بينما كنا نائمين.
جرّاء هذا القصف، قُتل أخي إبراهيم وزوجته سالي خضر صبحي ياسين وابنهما حمدي
(عامان) وابنتهما الرضيعة ماسة (4 أشهر). تمزقت جثثهم أشلاء وتناثرت حتى أسطح
المنازل المجاورة. أُصبتُ بجروح خطيرة في جميع أنحاء جسدي وفي بطني وخضعت لعدة
عمليات جراحية. أُصيبت زوجتي أيضًا وجميع بناتي وأخي محمود وأفراد عائلته. [...]
في التاسعة صباحًا، اضطر الأطباء لبتر ساق ابنتي مَلَك (5 أعوام)، لأن حالتها كانت
خطيرة جدًا. لقراءة إفادة محمد الشرفا الكاملة عن
بتر ساق ابنته مَلَك (5 سنوات) جرّاء القصف
وفقًا للتقرير، تُرك عشرات آلاف الجرحى
ومبتوري الأطراف بدون علاج ملائم، كما يتم تسريح العديد من الجرحى للعودة إلى
الحياة في ظروف مستحيلة، سواء في الخيام أو المباني المدمرة أو الملاجئ المؤقتة،
دون الحصول على المياه والكهرباء والأدوية بشكل كافٍ، ودون مرافقة عائلية في كثير
من الأحيان. وتزيد هذه الظروف من تفاقم حالتهم وتؤدي إلى مضاعفات طبية لا يمكن
إصلاحها.
ويتضح من محادثات أجراها طاقم من جمعية
"أطباء لحقوق الإنسان" مع أطباء في القطاع، وكذلك من معلومات نشرتها
منظمة "أطباء بلا حدود"
(MSF)، أن
الأطباء أبلغوا عن نقص حاد في مسكّنات الأوجاع مما يؤدي إلى إجراء عمليات بتر
أعضاء من دون تخدير، بما في ذلك في حالات الأطفال. وروى أطباء عن عمليات بتر أعضاء
أُجريت في ظروف غير
صحية، دون معدات ملائمة لإجراء العمليات الجراحية، بل خارج مناطق المستشفيات حتى،
في بعض الحالات. وفي الحالات التي لم يكن من الممكن فيها الحصول على أدوية أساسية،
مثل المضادات الحيوية، اضطر الأطباء إلى بتر أطراف المصابين لإنقاذ حيواتهم، بينما
كان من الممكن تجنب البتر في الظروف العادية.
فلسطين بربخ مع ابنتها رزان في المستشفى.
كانوا يُدخلون رزان إلى غرفة العمليات
كل يوم لتنظيف الجروح وتغيير الضمادات ومع ذلك، أصيبت بتعفن الدم [...] بكيت عليها
لأنني كنت أعرف أنها تعاني من آلام شديدة. ذات مرة قالت لي إنها ستموت وهذا حطم
قلبي [...] لم تُجدِ مسكنات الألم نفعًا وكان جهازها الهضمي لا يعمل تقريبًا وكانت
نسبة الأكسجين في دمها تنخفض باستمرار [...] أرادت أن تودعني وتودع والدها ولم
ترفع عينيها عنا حتى لفظت أنفاسها الأخيرة وصمتت الأجهزة. لقراءة إفادة فلسطين بربخ عن موت ابنتها
رزان (14 عامًا) بعد إصابتها جرّاء القصف وبتر ساقيها
يتضح من تقرير منظمة الصحة العالمية أن
حوالي 4,370 من البالغين والأطفال الذين بُترت أطرافهم خلال الحرب الحالية لا
يزالون ينتظرون الحصول على معدات مُساعِدة، مثل العكاكيز أو الأطراف الصناعية، وأن
83% من الأشخاص الذين يعيشون مع إعاقة في قطاع غزة حاليًا فقدوا أجهزتهم المساعِدة
ومعدات أساسية أخرى أثناء عمليات النزوح والتهجير. وقد توقفت الخدمات المجتمعية عن
العمل بشكل شبه كامل والأشخاص ذوو المحدوديات الجسدية الدائمة ـ بمن فيهم الأطفال
ذوو المحدوديات الجسدية المزمنة والأطفال المصابون بالشلل الدماغي ـ لا يتلقون
اليوم أي علاج إطلاقًا، تقريبًا.
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية،
وكذلك لتقارير تلقتها جمعية "أطباء لحقوق الإنسان" من أطباء من القطاع
ومن من الخارج حضروا إليه ضمن وفود طبية، اضطرت الطواقم الطبية إلى إجراء عمليات
جراحية في ظروف غير
إنسانية. في نهاية عام 2024، أفاد مدير مستشفى كمال عدوان، الدكتور حسام أبو صفية،
بأن العديد من العمليات الجراحية أُجريت على أيدي فرق لم تتلق تدريبًا كاملاً أو
لم تتخصص في الجراحة، بسبب النقص الحاد في المتخصصين جراء الحصار الإسرائيلي. ووقد
اعتقلت إسرائيل أبو صفية أثناء اقتحام المستشفى في 27.12.24، وهو محتجز منذ ذلك
الحين في "سجن عوفر".
من اليمين: حنان ومِسك الدقي بعد بتر أرجلهما.
أنظر إليهما ويعتصر قلبي ألمًا. كيف
ستواصلان حياتهما هكذا، بدون أرجل، وبدون أم؟ أخشى اللحظة التي ستسألني فيها حنان
ومِسك عن أرجلهما. ماذا سأجيبهما؟ عندما سأذهب لشراء أحذية لأطفالي، ماذا سأفعل مع
حنان ومِسك عندما تسألاني لماذا لا أشتري لهما؟ إذا قالتا لي "نريد أن
ألعب"، "نريد أن أرقص"، "نريد أن أركب دراجة" - بماذا
يمكنني أن أجيبهما؟ لقراءة إفادة شَِفا الدقي الكاملة عن ابنتيّ
أخيها الطفلتين اللتين بُترت أرجلهما جرّاء القصف
وفقًا للتقرير، يحتاج العديد من مبتوري
الأطراف الآن إلى تدخلات طبية غير متوفرة في القطاع، مثل جراحات ترميمية إضافية
وتركيب أطراف صناعية. وهكذا يُترك الجرحى بدون علاج، بدون مساعدة وبدون أمل في
الشفاء اللائق. وقد تمكن عدد قليل فقط من الجرحى من الخروج لتلقي العلاج خارج
القطاع، في مصر بشكل أساسي، لكن هذا العلاج غالبًا ما يكون محدودًا جدًا ولا يمكنه
تلبية احتياجاتهم.
يقرّ التقرير بأن القاصرين مبتوري
الأطراف في القطاع يعيشون في محنة شديدة، جسديًا ونفسيًا. على الصعيد الجسدي، بعد
تلقيهم علاجًا جزئيًا للغاية، إن حصل هذا أصلًا، يتم تسريحهم للعودة إلى الحياة في
ظل ظروف غير لائقة لا تسمح بمتابعة العلاج واستمرايته.
عمر أبو كويك بعد الإصابة.
يعاني عمر كثيرًا منذ إصابته وفقدانه
لعائلته. يختبئ طوال الوقت، لا يحب أن يراه أحد ويحاول إخفاء ذراعه المبتورة
ووجهه. يذهب إلى الحمام كثيرًا وقد أظهرت الفحوصات أن ذلك ليس بسبب بمشكلة طبية.
قال لي الطبيب إن ذلك مرتبط بحالته النفسية. لقراءة إفادة مها أبو كويك ـ أبو رزق
الكاملة عن بتر ذراع ابن أخيها عمر (5 سنوات) جرّاء القصف
في تقرير لها من أيلول 2024، وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش المحنة النفسية الفريدة التي يعيشها الأطفال
الجرحى وذوو الإعاقة في غزة منذ اندلاع الحرب. وفقًا للتقرير، على خلفية أشهر
طويلة من الصدمات والنزوح وظروف العيش المستحيلة، يعاني الكثير منهم الآن من
الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم وأزمات نفسية أخرى، غالبًا ما تزيد في إضعاف
قدرتهم على التعافي من الإصابات وتسبب لهم أضرارًا في النمو لا يمكن إصلاحها. وأصبحت
خدمات الصحة النفسية ومنظومة الدعم النفسي- الاجتماعي، التي كانت إمكانيات الحصول
عليها محدودة حتى قبل بدء الهجوم الحالي، أكثر ندرة منذ بداية الهجوم. وورد أيضًا
أن هؤلاء الأطفال يعانون من القلق بسبب عدم قدرتهم على الهروب من القصف جرّاء
إعاقتهم، إلى جانب الخوف من أن يتم التخلي عنهم في المرة القادمة التي تضطر فيها
أسرهم إلى النزوح والقلق من أن حالتهم قد تعرّض بقية أفراد عائلاتهم إلى الخطر.
ويقيم الكثير منهم في المستشفيات من دون مرافقين على الإطلاق، بعد أن فقدوا العديد
من أفراد عائلاتهم.
يعيش في قطاع غزة اليوم أكثر من مئة ألف
جريح ومعاق دون بنية تحتية طبية أو بشرية أو منظومية تستطيع أن تقدم لهم خدمات
ملائمة لإعادة تأهيلهم. فقد أبقتهم السياسة الإسرائيلية المتعمّدة، التي تشمل
الحصار والقصف والإهمال المتواصل ـ عاجزين في واقع لا يجدون فيه أي فرصة للشفاء.
أحمد الغلبان بعد
إصابته. ا
قبل الإصابة، كنت لاعب جمباز محترفًا،
تنافست مع محمد في المسابقات والفعاليات. كنا من المتفوقين في شمال القطاع. لكن
الاحتلال سلب مني كل شيء: أخي التوأم، ساقيّ والقدرة على فعل أي شيء. نفسي محطمة
[...] ما زلت أتلقى العلاج في مستشفى "أصدقاء المريض" في حي الرمال. من
الصعب جدًا الوصول إلى هناك بسبب الأنقاض والحجارة في الشوارع. يحاول أبي الحصول
لي على مسكنات للأوجاع من الصيدلية، لكنها باهظة الثمن للغاية. لا توجد مراهم ولا
ضمادات في المستشفى، نحن نشتري كل شيء بأنفسنا. أعاني بشدة من آلام قوية وحالتي
النفسية صعبة. فقدت الكثير من الوزن بسبب الجوع - لا يوجد لحم ولا خضروات ولا
فواكه. يوجد فقط عدس وحمص. لكي أتعافى من الإصابات، يحتاج جسدي إلى طعام مغذٍّ. لقراءة إفادة أحمد الغلبان (16 عامًا)
الكاملة عن بتر
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق