تأتي زيارة المبعوث الأميركي ستيف
ويتكوف الاضطرارية إلى إسرائيل، على وقع تزايد الامتعاض والنفور الواسعين حتى في
الكونغرس، إزاء فظائع حرب الإبادة والتجويع التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على
غزة. مشهدية الفجور الإجرامي التي تنقلها الشاشات، أثارت حالة من النقمة على
الإدارة التي "بدت وكأنها متواطئة مع إسرائيل"، كما يقول السيناتور
الديمقراطي كريس فان هولن.
ولاحتواء مثل هذه الصورة وتقليل الخسائر
السياسية، سارع البيت الأبيض إثر تفاقم مسألة توزيع المساعدات الإنسانية، إلى
الاعتراف بوجود "مجاعة" في غزة. في هذا السياق، جرى تكليف ويتكوف
بالذهاب إلى إسرائيل في زيارة "قد تشمل" غزة لأول مرة، للتعامل مع أزمة
المعونات الإنسانية وتوزيعها. وبذلك، يبدو دوره أقرب إلى مهمة الإطفائي المكلّف بإخماد
لهب حرب التجويع من دون أن يعني ذلك بالضرورة إطفاء جمر الحرب في جانبها العسكري.
ولفت
إلى أن إسرائيل، خلافاً للعادة، في مثل هذه الحالات، رفضت تأكيد الزيارة، وكأن
لديها اعتراضاً على المهمة، وبما سلّط الضوء على ما تردد مؤخراً عن
"تباين" في المقاربات التكتيكية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما عن "ضيق" الأول أحياناً من
الثاني، لكن في ما لا يمس "الشراكة" الأوسع في المنطقة. وبذلك يبقى
التباين في حدود "المناكفة العابرة". فرغم اعتراف ترامب مؤخراً بوجود
"مجاعة"، لم يحمّل حتى الآن، شريكه مسؤولية هذا الوضع، لا من جهة منع
إسرائيل دخول الكميات الكافية من المساعدات ولا لجهة توزيعها بطريقة تؤدي إلى سقوط
ضحايا يومياً.
وعلى العكس، الإدارة تشيد بالجهة
المشرفة على التوزيع (مؤسسة غزة للمساعدات الإنسانية) المعروف أن إسرائيل تقف
وراءها وأن نظام التوزيع الذي تعتمده مصمم ليجري بكميات شحيحة، ومن ثم لإحداث فوضى
وتدافع على الحصص، وبما يعطي الذريعة للقوات الإسرائيلية لاستهداف الجوعى. الإدارة
تزمع، بحسب أوساطها، الانخراط "بصورة أوسع في توزيع المساعدات". ولجأت
إدارة بايدن إلى هذا الخيار عبر إقامة الرصيف البحري الذي انتهى إلى فشل ذريع وبما
أدى إلى التخلي عنه بعد أسابيع قليلة من بنائه. كما جرى آنذاك إنزال المساعدات من
الجو، وبما أدى إلى وقوع إصابات حملت على وقف العمل بالإنزال. البديل كان وما زال
يكمن في حمل إسرائيل على فتح المعابر لدخول الكميات اللازمة.
ونأت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو
بايدن عن هذا الحل لفقدان الجديّة. وحتى اللحظة، لم تأت إدارة ترامب على سيرة
المعابر. ومن ثم المتوقع أن يتكرر السيناريو. وتدرك هذه الأخيرة كما أدركت الإدارة
السابقة بأن حل مشكلة المعونات بالصورة المطلوبة مرهون بحل الأزمة ووقف الحرب الذي
يبدأ بوقف النار. المبعوث ويتكوف لا يبدو أنه يحمل جديداً لاستئناف المفاوضات، لأن
الإدارة لا تبدو أنها في هذا الوارد، والرئيس ترامب كان واضحاً في هذا الخصوص،
عندما نصح نتنياهو قبل أيام، بالبحث عن "طريقة أخرى" للتعامل مع الوضع
في القطاع. ودارت تكهنات كثيرة حول المقصود من كلام الرئيس. ثم جاء التهاب موضوع
التجويع وما أثاره من ضجة دولية ومحلية أميركية، ليفرض الإسراع في خيار التهدئة في
الوقت الراهن وبما يحول المبعوث ويتكوف من مهندس وقف نار إلى إطفائي.
وبذلك، يبدو أنه صار على طريق وزير
الخارجية السابق أنتوني بلينكن الذي قام بزيارة المنطقة 11 مرة خلال هذه الحرب، من
غير جدوى. لا حقق وقف نار ولا نهاية حرب. المحاولات السابقة بقيت في دائرة تدوير
الزوايا، والحالية يبدو أنها تسير على الخط نفسه. وفي الحالتين، جرت الأمور وما
زالت حتى الآن، بما يتناسب مع حسابات نتنياهو، إلا إذا قرر الرئيس ترامب تغيير
المعادلة. وهذا احتمال لا يجيز المراهنة عليه، لأن البيت الأبيض ترك نزاعات
المنطقة لنتنياهو، مع الاحتفاظ بالفيتو عندما يتمادى رئيس حكومة الليكود.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق