علاء عوض يكتب : هزيمة سياسية لأوروبا بقيادة ألمانيا


حالة
غضب شعبي عارم تجتاح أوروبا  عقب اعلان ترامب التوصل لاتفاق   تجاري بمقتضاه تخضع أوروبا بشكل كامل للهيمنة المالية الأمريكية 

قبل تلك الاتفاقية الاطارية كان  متوسط التعريفات الجمركية أقل من 2% على التجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا

الآن  سوف تصدر أوروبا  الي امريكا بتعريفه قدرها  15%  

بالإضافة إلى 

تعهّد الاتحاد الأوروبي بإنفاق 750 مليار دولار على المشتريات الاستراتيجية، والتي تغطي النفط والغاز والطاقة النووية والوقود والرقائق،

وكذلك

استثمارات وشراء مُعدات عسكرية 

أميركية، و أيضا ستستثمر الشركات الأوروبية 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، .

وعلي الاتجاه الاخر  إعفاء عدد كبير من السلع الأمريكية من الرسوم الجمركية 

وبذلك بعد ان كانت أميركا تعاني عجز في تجارته مع أوروبا يقترب من 300 مليار دولار سوف ينعكس الوضع 

تلك الاتفاقية الاطارية اعتبرتها شعوب الاتحاد الأوروبي بمثابة الحلقة الثانية من معاهدة فرساي والهدف هذه المرة ليس فرض القيود والوصاية علي ألمانيا بل علي 27 دولة تمثل دول الاتحاد الأوروبي .

بالنسبة لترامب هذه الاتفاقية في هذا التوقيت بمثابة تعويم جزئي له من ازمته

 العالق فيها في زاوية صعبة  بعد أنباء وقرائن  تؤكد تورطه في التحرش واغتصاب جنسي لاطفال فيما يعرف بفضحية إبستين، والتي كرة ثلجها تكبر  في الرأي العام الأمريكي  واصابت قاعدة ترامب الانتخابية فبعد ان كان ينظر إليه كقديس بات اليوم يطالبون بالافراج عن الوثائق المتعلقة بالقضية ومحاكمة ترامب وعزله .. 

فمن المؤكد انه سوف يستخدم تلك الاتفاقية إعلاميا 

ويحاول بكل الطرق صرف انتباه الناس عن جرائمه المتعلقة بالاعتداء الجنسي على الأطفال ..

فقبل ان يذهب لأوروبا 

ترامب  كان في حالة انهيار نفسي تام يُطالب باعتقال كامالا هاريس وبيونسيه وأوبرا وينفري ومحاكمتهم بتهمة الخيانة. 

 كما يُهدد بسحب ترخيص أي قناة إعلامية تنشر محتوى عنه وعن إبستين .

لذا توقيت هذه الاتفاقية مع أوروبا امر حيوي بالنسبة لترامب   يمنحه بعض الوقت 

والذي  لن يدوم طويلا 

فعندما تظهر الآثار الكاملة للرسوم الجمركية 15%  التي فرضت علي أوروبا سوف ينزعج المواطن الأمريكي من التضخم المستورد والركود الاقتصادي، بالإضافة إلى فقدان تغطية برنامج Medicaid للرعاية الطبية بالإضافة الي استمراره  في الخضوع المذل  لاسرائيل حتي ان قطاع كبير من الشعب الأمريكي بات يري

  ترامب ليس ممثلًا لأمريكا، بل هو بوقٌ لمصالح إسرائيل. والولاء للصهيونية أهم من الولاء للإنسانية ..

اما في أوروبا لن تمر هذه الاتفاقية المهينة بسهولة خاصة ان ابعادها سياسية أكثر منها اقتصادية  تجعل أوروبا تدفع جزية ضخمة لامريكا .هذا هو الامر في اطاره الظاهري ..

اما  اذا أردنا قراءة عميقة لهذه الاتفاقية فهي نتاج عمل وفكر استراتيجي امريكي تم التخطيط له بدقة علي مدار اكثر من 80 عام بجعل أوروبا خاضعة لنفوذها بشكل كامل و حديقة خلفية لها ..

 والان تم تحقيق الهدف بشكل نهائي.. ويمكن القول 

إن اتفاقية التجارة بين ترامب والاتحاد الأوروبي هي في الواقع اتفاقية جيوسياسية. تجعل أوروبا تعتمد على الطاقة والأسلحة الأمريكية،ترسّخ هذه الاتفاقية وضعية أوروبا كدولة تابعة. الأمر لا يتعلق بالتصنيع أو الاقتصاد، بل بالسيطرة 

 خاصة علي ألمانيا عقل وقلب ورئة الاتحاد الأوروبي 

فأحد الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة في حربها التي اشعلتها 

 ضد روسيا هو تدمير العلاقة القوية  بين ألمانيا وروسيا 

تلك العلاقة التي شهدت نمو وصل للذروة قبل اندلاع الحرب الاوكرانية 

أدى هذا التعاون إلى 

 ازدهار الصناعة الألمانية بفضل الطاقة الروسية القريبة ..

 علي مدار السنوات العشر الأخيرة  روجت  الولايات المتحدة كذبة  أن روسيا قادرة على استخدام الغاز الطبيعي كسلاح تسيطر به علي أوروبا .

ولم يكن امام امريكا سوي خيار اشعال الحرب في أوكرانيا 

لتفعيل تلك الكذبة لتحقيق أكثر من هدف ذهبي منها عزل ألمانيا عن روسيا وهو ما تحقق بالفعل وهنا قدمت غازها كخيار إجباري لأوروبا بثمن باهظ  بالإضافة إلى مبيعات السلاح وانتهي الأمر  بالابتزاز المالي عبر اتفاقية التجارة الأخيرة التي اعتبرتها شعوب القارة العجوزة هزيمة سياسية مذلة .

وعلي المستوي الاقتصادي ندد 

 اتحاد الصناعات الألمانية بتلك الاتفاقية 

  وصفها   بأنها  تسوية غير كافية وترسل إشارة كارثية إلى الاقتصادات الأوروبية .

هذا التصريح يؤكد ان الشركات الأوروبية لن تستسلم بسهولة 

 فهذه الاتفاقية  مألها النهائي التنازل عن المنزل بأكمله،  بالأرض المقام عليها   لذلك الأحمق البرتقالي المقيم في البيت الأبيض و الامبريالية التي يمثلها ..

خاصة أن ترامب لم يترك لأوروبا خيار  أما التوقيع او اطلق عليكم الدب الروسي .

أنها اتفاقية  تشبه تماما عقود الإذعان السياسي تمام كما حصل في معاهدة فرساي 

التي اذلت بها أمريكا وبريطانيا ألمانيا .

ويبدو ان ترامب في الساعات الأخيرة قبل توقيع تلك الاتفاقية قال لهم بكل وقاحة .

 إذا كنتم تعتقدون  أنكم تستطيعون الحصول على صفقة أفضل من الروس، فافعلوا ذلك على الفور واذهبوا الي موسكو .

قال ذلك وهو علي يقين ان امريكا حطمت الجسر الاخير الذي كان يربط ألمانيا بروسيا  

واصبحت أوروبا في حالة وهن وضعف سياسي شديد 

يعلمه ترامب تماما لذا عندما اخبروها أن ماكرون سيعترف بدولة فلسطين سخر قائلا هذا أمر غير مهم ..

في الواقع أوروبا تدفع ثمن خضوعها لامريكا من وقت انتهاء الحرب العالمية الثانية فأصبحت ضعيفة 

 وإحدى القواعد الأساسية للجغرافيا السياسية هي أن الضعف لا يؤدي إلا إلى مزيد من الاستغلال 

وهذا بالفعل ما حدث في الاتفاق التجاري الذي اعلنه ترامب ومضمونه

مجرد نقل ضخم للثروة  من أوروبا في اتجاه واحد دون فوائد متبادل

تعليقات