لم يعد لي أصدقاء أو أقارب أو معارف، أزورهم ويزوروني،
وأحكي معهم، وأستمع إليهم، لقد مات البعض، وتغير ناس كتير منهم، ولم يعد بيني
وبينهم حوارات تدوم لأكثر من دقائق.
المصريون تشرذموا لعشرات المعسكرات، كل منها يتولد عنها
فروع أخرى بحيث يصعب أن تجد شخصين علي رأى واحد في أكثر من موضوع.
السلفيون و من خرج من عباءتهم، اليسار الشيوعي
بتنظيماته المختلفة، الناصريون المتعصبون و المتعاطفون، الذين يرون أن السادات
حكيم عصره اللي ضحك علي بيجن و استعاد سيناء، الذين يلطمون أمام قبر مبارك و
يقولون أسفين يا ريس، أنصار الملك فؤاد الثاني المطالبون بعودة الملكية، دراويش
المقاومة الفلسطينية المتحمسين لصواريخ
إيران و اليمن، مطبلتية العصر الحديث و إنجازات العاصمة الإدارية و العلمين،
المستفيدين من الإصلاح الاقتصادي من رواد الساحل
الشمالي، المناهضين لتوغل الخلايجة في الاقتصاد المصري، الذين يرون أن كامل
الوزيري عبقري عصره، من يحلمون
بالديموقراطية و الحرية و حقوق الإنسان و الإفراج عن المعتقلين.
في بلدنا مائة حزب، كل منها يتكون من دستة
مستفيدين يرقصون في مقراتهم وفردة بياده فوق رؤوسهم ومنهم من يغني ويرفع صوته مثل يمامة
ليسمعه موزعي الأرزاق، يطالب باستمرار ودوام العصر السعيد.
لم أنضم في حياتي لحزب أو منظمة حزبية رغم إيماني
بانه لا خروج من البحيرة الاسنة التي خضنا فيها منذ 73 سنة إلا بعودة الأحزاب الجماهيرية
التي تعبر عن أحلام الناس وتعمل على تحقيقها سياسيا واقتصاديًا.
في بلدن العديد من السلفيين حتى لو كانوا لا
يعرفون هذا عن أنفسهم فسلوكهم وفكرهم سلفي يخرج من هذه العباءة الإخوان والجهاديون
بكل تصنيفاتهم والوانهم والسادة علماء الأزهر الافاضل ورجال وزارة الاوقاف الكرام
علاقتي شبه مقطوعة مع هذا الفصيل لا يعجبهم
حديثي ولا أستسيغ أسلوبهم في فرض رايهم بواسطة الاستعانة بنصوص من الكتب المقدسة و
رجال العلم القدامى
الدين بالنسبة لي علاقة شخصية لا تتصل أو تؤثر
علي أمور الدنيا خصوصا في زمنا و حضراتهم
يرون أن الإسلام دنيا و دين و اللي مش عاجبه حنطلع عين أهله و حنحاصره في كل مكان و نرفع عليه قضايا حسبة
ملهاش أول من أخر هو يعني حيبقي أحسن من فرج فودة و لا القمني .
فسطاط أخر من المصريين أتجنبه يحمل لافتة اليسار الشيوعي
بعض من الذين مارسوا السياسة في شبابهم ضمن الحركة الطلابية أو انضموا إلي دكان من
الدكاكين المتعددة التي تدعي أنها شيوعية
لقد تناقشت مع عدد من زعمائهم فوجدت أنهم
يفتقدون للعلم الماركسي ولا يفهمون ماهية المادية الجدلية ولم يقرا أي منهم كتبها الكلاسيكية
مثل مقدمة جدل الطبيعة أو أنتي دوهرينج ولم يفهموا الفارق بين ستالين و تروتسكي أو
الماركسيية السوفيتية و أختها الصينية، هؤلاء لم يعلمهم إبراهيم فتحي إلا التعصب و
الغرور، ولم يستخدمهم الافي الانشطة الميدانية، و قراءة مجلتهم السرية التي كانت
توزع باليد و تحتوى علي ملخصات لوجهة نظر الحزب في قضايا الساعة.
لقد فقدوا بالنسببة لي أى سبب للتواصل، وكنت
بالنسبة لهم ذلك الثرى الذي يبتزونه عاطفيا بكل الطرق للحصول على تبرعات إنسانية.
أخوانا الناصريين، الذين يقولون إنه نبي العصر
الحديث، لا يروا إلا أن في زمنه عمل وعمل وعمل، ولولا السد لضاعت مصر ولولا التأميم
لبقي الأجانب ينحلون وبرنا، ولولا مجانية التعليم لما أصبحت مهندسا.
طيب إيه رأيكم في المعتقلات والسجون (دول لأعداء الثورة)
طيب والهزائم (دى مؤامرة خارجية و المسئول عنها عبد الحكيم) طيب والديكتاتورية (شعبنا
مينفغش معاه ديموقراطية) وهنا أتوقف عن الحوار، فلا توجد مساحة مشتركة بيننا فتفاجا..
بسيل من المقالات والصور و الحواديت و القفشات يرسلها (علي القط).. تمجد في طوطمهم..
أو تمرمط الأرض بالعهد البائد.. مستخدمين كل سخافات الإعلام الناصري الموجة خلال
فترة صعوده.
لم اعد أعمل أو أختلط بالناس أو أقرا الصحف والمجلات والإعلانات،
أو أشاهد الحوارات والبرامج الموجهة، ولكن هذا الفيس بوك يقذف على شاطئي الساكن
عشرات من القضايا التي لا تهمني خصوصا ما يتصل بقوانين الحكومة وبرلمانها الخصوصي،
أو الكفاح المسلح لتحرير فلسطين من البحر للنهر أو أدعية الناس بانزياح الغمة، أو
مؤامرات أسيادنا لإعادة تقسيم الشرق الأوسط.
وبصراحة، لا يهمني كل هذه الدردشات فانا أعلم أن
هؤلاء المتفلسفون لا حول ولا قوة لهم، وأن الحديث عندما يمر عليه 24 ساعة يصبح مثل
العيش البايت، لا يستسيغه إلا افراد معدودين.
أعيش اليوم وقد نجوت من مرض لعين هاجم قولوني منتظرًا أن
يعاود زيارته للرجل المسن معدوم المقاومة.
أنا لا اخاف منه ولا من الألم الذي يتسبب فيه ولا
من الوحدة التي أعيشها لا يقطعها إلا رعاية الزوجة تحكي لي عن أخبار الابنين.
والأخت تصف لي الحياة خارج القوقعة وكيف يعيش
اهلها وجيرانها
وصديقة قديمة شابة مصرة على التواصل تكشف لي كيف
يعاني الناس في هذا الزمن الرهيب ويدبرون حياتهم بأقل الإمكانيات.
أريد أن أتوقف عن الحوار مع الفصائل المتضاربة..
والاشلاء المتناثرة للمثقفين وأغلق ملف عبد الناصر خصوصا. فمهما قيل لي و مهما قدم
ناسه من أدلة وبراهين لن تغير ما عشته بنفسي و عاينته و تعرفت عليه بانه كان زمن
بداية الإرهاب و الخوف و الجبن و السقوط و الهزائم التي كبرت و نضجت و تفرعت خلال
73 سنة و أظلت كل الأنشطة التي نزاولها في
بلادي بما في ذلك الثانوية العامة و انتخابات البرلمان و قوانين الحكومة.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق