تناقلت مواقع كثيرة خلال الأسبوعين الماضيين قصة عن ما سمته أخطر الجواسيس الإسرائيلية في طهران هي قصة لك الجاسوس الذي تخفى في زي الإمام عبد الرحمن والقصة تحكي عن سمعون ديرافي ضابط الموساد الإسرائيلي الذي تعرض لإصابة في إحدى عملياته للموساد لم تمكنه من ممارسة عمله كظابط، ولكن الموساد اختار له مهمة صعبة جدا وهي إختراق المساجد والمزرات الدينية ليصبح سمعون الإمام عبد الرحمن ولقب بالهادي.
هل قصة حقيقة؟
في القصة تفاصيل كثيرة عن تحول ضابط الموساد إلى أحد أكبر الشيوخ في طهران ومرجع من أهم المراجع الدينية في قم، ولقد بدأ عبد الرحمن في مسجد صغير وما لبث أن تحول إلى مرجعية كبيرة وأصبح صاحب شعبية كبيرة لينتقل إلى مساجد أكبر ومنها إلى التليفزيون الرسمي، وصاحب قناة على اليوتيوب يشاهدها مئات الآلاف من الإيرانيين وربما أمتد تأثير الإمام عبد الرحمن لتجد له مريدين في أقطار أخرى.
أي ما كان حقيقة القصة التي نشرتها مواقع صحفية ليست بصاحبة المصداقية العالية، وتناولت قصته قنوات على اليوتيوب إلا أن مدى صدقية القصة تكاد تتطابق مع كثير من قصص الجاسوسية العالمية، وخاصة القصص الكثيرة للجواسيس في التاريخ العربي والإسلامي.
غالبا يكون الشخص الذي زرعه اليهود أو القوى الصليبية الغربية صاحب نفوذ كبير، وعلاقات أكثر فمن خصائص الجاسوس الذي زرع أن يكون دائما محل ثقة الأخرين، ويعتمد ذلك على موهبته في الخضوع لمن بيده السلطة، أو مصدر ثقة لمعارفه عن طريق حديثه الذي غالبا ما يريح الجانب الأخر والمطلوب هنا أن يقوم الطرف الأخر بإمداده بمعلومات وهو مطمئن تماما إلى صدق الجاسوس ووطنيتهن وحبه الكبير للأمة والوطن.
نظرية المسيري
لعل أهم ما في قصة سمعون ديرافي التي ذاعت الأيام السابقة هي تحقيقها لنظرية المفكر المصري الكبير عبد الوهاب المسيري فيما أسماه الصهيوني الوظيفي بل يكاد كلام المسيري يجعل من سمعون (الإمام عبد الرحمن الهادي) نموذجا لما قاله عن الصهيوني الوظيفي فقد أشار المسيري صاحب الموسوعات الفكرية المهمة في تاريخ اليهود، والصهيونية العالمية " قد نصل يوما ما إلى مرحلة يصبح فيها الإنسان العربي والمسلم صهيونيا وظيفيا يؤدي الوظائف التي يؤديها القائد العسكري الإسرائيلي أو التاجر اليهودي الموالي لإسرائيل" ثم قال مازحا "إن اليهودي الجديد أو الصهيوني الوظيفي سيأتي ويصلي معنا العشاء في هذا المسجد"
الواقع أن القصة الشائعة للجاسوس الإمام في إيران قد تكون أقل وطاءة من الصهيوني الوظيفي التي أشار إليها المسيرى لأننا هنا أمام قصة لزرع جاسوس في أخطر الأماكن الدينية في إيران، والتي جعلته نموذجا للشباب وحاز ثقة بعضا من الحرس الوطني الإيراني، بل أصبح مرجعية دينية.
توغل كبير للجواسيس
لعل أهم ما حدث في حرب الأسبوعين بين الجمهورية الإسلامية والكيان الصهيوني اكتشاف هذا الكم الكبير من جواسيس الكيان داخل الجمهورية الإسلامية والذي وصل إلى حد محاولة اغتيال الأمام علي خامنئي المرشد العام للثورة الإيرانية، والرئيس الإيراني مسعود بزشيكان أثر هجوم إسرائيلي استهدف اجتماعا للمجلس الإعلىللأمن القومي في 16 يونيو/ حزيران الماضي وحضره عدد من كبار المؤولين الإيرانيين ورؤساء السلطات الثلاث في إيران.
اصيب الرئيس الإيراني في الهجوم الذي تضمن اطلاق 6 صواريخ أو قنابل، وقد كشفت إيران عن الحادث بعد أكثر من أسبوعين عليه، ورجح أن هناك متسلل داخل الاجتماع الذي لم يعرف به إلا من هو ثقة داخل الدولة، ويعكس هذا حجم الاختراق داخل مؤسسات هامة بالدولة الإيرانية.
وقد اشارت حوداث مثل اغتيال الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، والقائد إسماعيل هنية رئيس حركة حماس، وقبلها أغتيال قاسم سليماني، وبعدها ما حدث أثناء الحرب من اغتيال قادة الحرس الجمهوري، والعلماء الإيرانيين إلى أي مدى تغلغل الموساد سواء بضباطها أو اتباعهم من الصهيونيين الوظيفيين داخل الأراضي الإيرانية، وربما في معارك وحروب أخرى يكتشف غيرهم في دول أخرى يعتبرها الكيان الصهيوني عدوا لها.
صفات الجاسوس
يجيد الكيان الصهيوني صناعة الجواسيس واليهودي الوظيفي، وتاريخيا استطاع اليهود زراعة المئات من امثال عبد الرحمن الهادي أو سمعون ديرافي، ويتمتع الجاسوس أو الصهيوني الوظيفي حسب التوجية اليهودي سابقا، الإسرائيلي الآن بالاستحواذ على ثقة الجميع، فلا يغضب أحد، ولا يحاول إثارة أي فريق ممن يتعامل معه، يحوز رضا الجميع بإعطاء الجميع ما يريدون، لكن الغريب أن المستهدف بالتجسس غالبا ما يترك كل المخلصين ويلجأ إلى هذا الجاسوس الذي يقدم له دائما ما يحتاجه، ولا يأبهه المستهدف بتحذيرات المخلصين، وتدفع الأوطان ثمن ذلك.
يصل الجاسوس أن يكون إماما مسموع الكلمة أو رجل أعمال واسع الثراء والسمعة، تساعده اجهزة الدول ثقة في وطنيته، ثم يتطور الوضع فيأخذ العدو الصهيوني أبناء الوطن ذوو النفسية الضعيفة والروح الهشة ليربيهم على يده فيصنع منهم قادة جيوش، أو صناع رأي عام (أعلاميين) أو مفكرين وإدباء، أو رجال دولة في مؤسسات كبرى ليديروا دفة الأوطان في تلك المؤسسات، وربما يصبح أحدهم رئيسا للجمهورية يقوم بدور الصهيوني الوظيفي، أو إماما بديلا للجاسوس الذي أصبح في إيران مرجعية دينية وصاحب ثقة الملايين.
المصدر : الجزيرة مباشر نت
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق