من المؤكد أن مصر تبذل قصارى جهدها من أجل أن تتفادي الحرب ، وذلك أمر يراه بوضوح كل من يهمه الأمر .
فلم تكن مقولة السادات المزمنة :" أن أكتوبر آخر الحروب " ، مجرد عبارة عابرة ، أو صيغة إنشائية بليغة مما اعتادها الرئيس المؤمن ، بل يمكن القول أنها كانت إنعكاساً لشعور سائد لدي قطاع واسع من الشعب المصري آنذاك ،بالرغبة في الركون إلي الراحة والهدوء والسلامة ، والإنكفاء علي الذات إلي حد " الإنعزال " . ا
فقد وجد البعض -ربما بحق - ولا يزال - أن الوضع العربي العام ، وإن كان يهتم بقضية الشعب الفلسطيني ، إلا أنه قرر أن يخوض الصراع إلي آخر جندي مصري ...ولم يكن ذلك عدلا ..
كما وجد البعض- ربما بحق - ولا يزال ، أن مصر كانت خلال النصف الأول من القرن العشرين من أكثر البلاد العربية ثراء متنوعاً ، وتحمل كل عناصر التقدم ، قد تحولت خلال الربع الأخير من ذلك القرن ،وخاصة بعد هزيمة ١٩٦٧ إلي واحدة من أكثر تلك البلاد فقراً وإحتياجا ، نتيجة لما تحملته من أعباء إستراتيجية تجاوزت قدراتها الذاتية .. وقد كان ذلك فوق الإحتمال .
لا جدال أن سياسات " الإسترضاء" Appeasement ، لا زالت تجد أنصارها ، رغم ثبوت فشلها في الحيلولة دون الحرب العالمية الثانية، فلا يزال هناك من يري أهمية قصوى في ضبط النفس ، والإمتناع عن سياسات القوة أو التهديد بها ، إلا أنه علي الجانب الآخر يري عدد لا يستهان به من المفكرين أنها سياسة فاشلة في مواجهة خطر واضح ومتحقق .
ولقد ذهب مثلا بعض منتقدي سياسات الإسترضاء، إلي أن محاولات " ترضية " عبد الناصر ، قد تسببت في خلق " الوحش " الذي انتفخ بمظنة تردد الغرب وضعفه ( أنا مش خرع زي مستر إيدن ) ، ويعزون كل مصائب الشرق الأوسط التي تلت أزمة السويس إلي عدم " قص " ناصر إلي حجمه مبكرا ، قبل أن يؤذي الوضع العام في الشرق الأوسط ، بل ويؤذي شعبه ونفسه ( كيسنجر في كتابه الشهير الدبلوماسية ) .
رغم هذا الوضوح الكاسح في نفسية رفض الحرب ، إلا أن مصر في ضميرها الحضاري ، ووعيها التاريخي المستمد من يقين حقيقي ، يجعلها تدرك أنها المركز الأكثر تأهلا لمواجهة خطر التوسع الصهيوني ، الذي لا يمثل خطراً فقط في التهام ما تبقي من أرض فلسطين ، بل أنه ، بحكم طبيعته الإستعمارية ، وبضرورات حتمية القوة ، يمثل تهديداً خطيراً علي الأمن القومي المصري .
هكذا يمكن القول أن الإنكماش الإنعزالي يمثل لمصر خطراً وجودياً لا يقل عن المخاطر المحتملة من التورط في حرب ، بل أن الحرب في هذه الحالة قد تصبح هي الخيار الوحيد .
أن توازن القوي في المنطقة يتطلب بإلحاح عودة مصر للإمساك بدفة القيادة الدبلوماسية والسياسية والإقتصادية والعسكرية ، حماية للأمن القومي الوجودي لدول المنطقة ، حتي وإن كانت التحديات لا تبدو متماثلة الوضوح لكل الأطراف .
بل أن مصر يمكنها أيضاً تفادي الحرب ، بالتخلي عن سياسات الترضية ، واتباع سياسات تقنع الكيان الصهيوني أنها جاهزة ومستعدة لإستعادة قيادة المنطقة في مواجهة هذا الخطر السرطاني القاتل .( وذلك حديث آخر )
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق