علي أبو هميلة يكتب : "مصحف الحفاظ" معجزة من داخل سجون الاحتلال


أن تجد بين يديك منتج ثقافي، فكري، علمي يخرج من أسوار السجن فهذا يبدو طبيعيا مع كثرة دخول المبدعين إلى السجون عبر تاريخ طويل من القمع والاستبداد العربي، فكم من مؤلفات الأدباء والشعراء خرجت روايات ودوواين شعر، كانت السجون الشهيرة في الوطن العربي يسمح بوجود أقلام وأوراق يكتب فيها المفكر والمبدع وتخرج هذه الأوراق إلى الخارج ليصدر إبداع من السجون,

كان هناك أيضا من السجناء من يحصل على أجازات جامعية، ورسائل للماجستير والدكتوراة من داخل السجون، بل بين يدي الأن أكثر من خمس روايات، ودوواين شعر، وكتب بحثية خرجت من سجون الاحتلال الصهيوني مع خروج الأسرى الفلسطينين من المعتقلات وسجون الصهاينة في صفقات تبادل الأسرى بعد طوفان الأقصى وقد خرج المئات منهم في هذه العمليات. 

مصحف مشاهرة 

لم يكن سهلا في ظل الاحتلال الصهيوني وتعامله مع الأسرى من أهل فلسطين خروج منتج إبداعي، ولكن للشعراء والمبدعين وسائل حفظ سواء عن طريق الترديد للقصائد، أو البقاء على الرواية ذهنيا وتهريبها فصول تلو فصول من داخل الاعتقال، ولمن أن يخرج بحثا علميا وفكريا ودينيا يعتمد على التدقيق والدقة فهذا كان الشيء الاصعب خاصة إذا كان هذا الكتاب والبحث هو إضافة كبيرة بل أظنها معجزة للكتاب الأقدس للإنسانية (القرآن الكريم) ولكم التخيل كم يعادي الصهاينة هذا الكتاب.

أن يكون إسس هذا الكتاب هو البحث الدقيق في كل كتب التفاسير للقرآن، ومقارنتها بعضها البعض، والتدقيق في الحروف والكلمات والمعاني، وتكرارها وأخراج المتشابهات ووضعها في سياقات متعددة، لتخرج في النهاية في مصحف جامع شامل استغرق الوصول لشكلة النهائي عشر سنوات هي سنوات اعتقال باحثة ومنتجه المهندس رمضان عيد مشاهرة الأسير المحرر في صفقات تبادل الأسرى نتاج طوفان الأقصى فهذا عمل في تصوري إعجازي، سواء في جهده، مكان إنتاجه، طرق خروج هذا المنتج. 

خرج مصحف الحفاظ من سجون الاحتلال الصهيوني، عبر وريقات وكتيبات مهربة، وكم من المرات كان من الممكن أن يتم الإمساك به، ولكن معجزة حفظ المصحف الشريف والقرآن الربانية كانت حافظة، فبينما تخرج صناديق كتب ليتم تبادلها بكتب أخرى يفتش السجان الصندوق الممتلأ بكتب عادية ثم يغفو عن الصندوق الموجود فيه بحث مصحف الحفاظ كما يحكي الأسير بنفسه في حفل تدشين مصحف الحفاظ في معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي في دورته العاشرة، وهو الحفل الذي شهد توزيع المصحف مجانيا لكل الحضور، وكما أعلن باحثه ومدققه مشاهرة فقد آل على نفسه إلا يربح من منتجه قرشا واحدا، فقد وهبه للمولى جل علاه. 

كان لابد علي الحصول على نسخة من هذا الإعجاز الفكري والبحثي بعدما استمعت لشرح مؤلفه وهو بالمناسبة مهندس من أبناء القدس ومن المرابطين فيه وتكون الملاحظة الأولى كم استفاد من دراسته الهندسة في هندسة المنتج الذي لا استطيع وصفه، ولا وصف مشاعري تجاه منتجه الأسير الفلسطيني، وتسألت طوال وجودي في الحفل عن كنة هؤلاء الأسرى وهذا الشعب الفلسطيني؟

 كيف يستطيعون العمل والإنتاج في ظل ما يعانون، والواقع أن رجال فلسطين وخاصة في غزة ليسوا أبناء العصر، ولا نتاجه، بل هم جماعة تسللت إلينا من القرن السادس الميلادي والأول الهجري ليقدمون لنا نماذج الصحابة والأولياء، هؤلاء الاطفال، الشباب، الرجال والنساء لا ينتموا لنا قولا واحدا وفي هذا لا نتوقف عند مشهد أو موقف واحد فقط بل كل الحياة على أرض غزة الصابرة الصامدة المنتصرة بأذن الله. 

عشر سنوات من الجهد العلمي والقرآني

 عنوان المصحف "مصحف الحفاظ في ضبط وتوجيه فواصل الآي ومتشابه الألفاظ" برواية حفص عن عاصم بالرسم العثماني، وقد استطاع المهندس رمضان المشاهرة تقديمه بلوحات فنية مبهرة استخدم فيها خبراته الهندسية ليسهل على الحافظ أي كان مستو حفظه التعامل مع حجم المعلومات والبحث المعجز حرفيا، لدرجة أنني تمنيت أن احصل على الآلاف من النسخ وأدور في شوراع الأمة أهديها لكل من أقابله.

ساعات غير قليلة وأنا أتامل هذا المنتج ألوانه ودرجاتها واستخدامها في التعبير عن ضبط ما، المرادفات، المجاز، الفواصل ولماذا هنا، التتالي، الاسترسال في المعنى، هو كتاب ومنتج يحتاج إلى أيام وشهور للاطلاع والاستفادة، وبالطبع عندما بدأت تصفح المصحف كان واجب أن يكون بجوري المصحف الشريف بكتابه المعتاد لدينا، أيضا نسخة من نفسير القرآن وكان نصيبي من المعرض نسخة من كتاب " المفيد في تفسير القرآن" وبهذه الثلاثية  بدأت التعامل مع مصحف الحفاظ لمشاهرة. 

هذا الجهد المعجز يحتاج صبر وصمود غير تقليدي لإنجازه فما بالك أن كان يتم داخل سجون محتل مغصب للأرض، وما بالك إذا لم تكن تتوفر له أمكانيات أوراق، أقلام، طعام شراب، لابد أن تتساءل عن مدى قوة وعزيمة هؤلاء الأسرى، وهؤلاء الرجال، أن باحثا عاديا يحتاج الكثير ليقدم لأمته مثل منتج رمضان عيد مشاهرة، وقد حكى أسير أخر في ندوة عن فلسطين الصمود والهوية إحدى ندوات المعرض عن ما يعانيه الأسرى في الحياة داخل السجون فما بالك بمن يقوم بهذا العمل المعجز (بلا أدني مجاملة أو مبالغة) 

هذه السيدة زوجته التي تحملت غيابه طوال السنوات في تعليم وتربية بناته، كيف كانت تتعامل مع قصاصات الورق وتجميعها م زيارات السجن، كيف كانت تستقبل الكتيبات والأوراق التي ظهر عليها بقايا أطعمة، ومشروبات وتخرج في رحلة شبيهة برحلات الهروب السينمائية، ثم هاتان البنتان اللتان تعلما الصبر والصمود من الأب والأم ولم يدخرا جهدا في المساعدة لتقوما مع أمهما بعمل كبير ووالدهما في الاعتقال لينشرا منتج الأسير ويؤسسوا ثلاثتهم دارا تسمى دار الحفاظ، عشر سنوات من الإلهام والصمود الصبر, 

نواف التكروري رئيس هيئة علماء فلسطين قدم المصحف قائلا "مصحف الحفاظ إضافة نوعية في الإعانة على التعامل مع كتاب الله تعالى فهما وتدبراوحفظا وتثبيتا، فهو يقدم آليات علمية تسهل ونهجية تيسر"  وهناك عشرات العلماء الكبار من أهل فلسطين من القدس وغزة قدموا لهذا المصحف المسبوك بإتقان والمكسو بالبهاء والجمال.

يقول مؤلفه الأسير المحرر رمضان مشاهرة"لقد عملت في هذا المصحف المبارك أكثر من ثمان سنوات،مستعينا بالله سبحانه وتعالى، والعشرات من أمهات الكتب والمجلدات والأبحاث متحديا كل الصعوبات، تعرض الآلاف من أوراقه للضياع والمصادرة، واستبداد السجان وتعصبه" هذا المصحف هو معجزة خرجت من سجون الاحتلال الصهيوني، وهو التعبير الأكمل عن هذا الشعب المعجز المنتصر بإذن الله الشعب الفلسطيني. 


 

تعليقات