وزراء الحكومة في مصر دائما ما يطالعون المصريين بأخبار تستحوذ على العرض المضل لدي المصريين، فكل وزير يسعي لكي يحصل على العرض الأكثر مشاهدة، وهكذا استطاع وزير الأعلام المصري أن يكون الأكثر حضورا منذ توليه مسؤولية الهيئة الوطنية للإعلام فأكثر من التصريحات الجاذبة من حيث إطلاق منصة درامية بأسم ماسبيرو، ثم الإعلان عن الاتجاه لإنتاج أعمال تاريخية درامية وعودة الهئيىة للإنتاج الدرامي، وتكريم بعض النجوم مثل محمد منير وغيره من كبار الفنانين، وأخيرا تذكر المسلماني مشكلة المتقاعدين من أبناء ماسبيرو فذهب إلى وزير المالية ليحل مشكلة مكافأت التقاعد التي لم يحصل عليها المتقاعدين منذ حمس سنوات.
دخل وزير الأوقاف المصري أسامة الأزهري على خط العروض الجاذبة للجمهور والتقى نقيب الممثلين ليبحثا الإنتاج الدرامي، ولا تسأل علاقة الأول بالإنتاج الدرامي ولا علاقته الثاني، فالسيد نقيب المهن التمثيلية لا يعدو أكثر من ممثل لا يمتلك قدرة إنتاجية ولا يمتلك جهة أنتاج، ولم يفلت وزير الثقافة المصرية أحمد هنو فرصة التواجد الجماهيري في مهرجان المسرح المصري ليكثف حضوره بتكريم بعض نجوم المسرح المصري.
أعلان خطة تطوير الإنتاج السينمائي
منذ عشرة أيام تحديدا أعلن وزير الثقافة عن خطة قومية لأحياء السينما المصرية ممثلة في خطوات ثلاثة تتولى شركة إدارة الأصول الثقافية والسينمائية العمل عليها، وهي إحدى شركات الشركة القابضة للاستثمار في المجالات الثقافية والسينمائية التابعة لوزراة الثقافة، وجيد أن تذكر الوزير وذكرنا بوجود هذه الشركة.
تمتلك شركة إدارة الأصول خمس استوديوهات مصرية قديمة هي الأهرام، النحاس، مصر، جلال، وأستوديوهات مدينة السينما، وأيضا خمسة دور عرض هي الباقية من دور العرض المملوكة للشركة العامة للإنتاج السينمائي وهم ميامي، ديانا، ريو، نورماندي، وفريال من بين 55 دور عرض هي كل ما أصبحت تمتلكة مصر الأن بعدما كانت في وقت ما أكثر من 600 دور عرض.
القاهرة مثلا في 2019 حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والأحصاء كان فيها 183 دار عرض أصبحت في 2021 ثلاثين دارا فقط، الأسكندرية التي كانت في نفس التقرير بها 55 دارا أصبحت خمسة عشر فقط، وهكذا بينما في تقرير أخير للجهاز قال أن خمس محافظات مصرية لا يوجد بها دار عرض واحدة مثل السويس، الإسماعيلية، القليوبية، كفر الشيخ، ومطروح، ولا شك أن وزير الثقافية وهي يعلن خطته قد أخذ في أعتباره أن دور العرض السينمائي أحد أهم أضلاع صناعة السينما، فقبل الإنتاج المزمع القيام به على الوزير أن يفكر أين يعرض بضاعته السينمائية التي ينوي إنتاجها؟ وإلا فأن أي كلام عن النهضة بالسينما المصرية وإعادتها إلى مكانتها يصبح كلام من أجل الشو الإعلامي فقط.
إنتاج سينمائي يتضاءل
كانت السينما المصرية تنتج أكثر من 180 فيلما سينمائيا ختر بداية التسعينات من القرن الماضي، بل أن هناك نجما مصريا واحدا في تلك الفترة كان يقدم أفلام تعادل ما أقل مما أنتجته السينما المصرية بالكامل العام الماضي 8 أفلام هي حصيلة الإنتاج، وقد أعلن وزير الثقافة عن عزم الوزراة إنشاء شركة للأنتاج السينمائي ضمن ثلاث خطوات من أجل النهوض بالسينما، وهي ترميم دور العرض والأستوديوهات وإعادة تشغيلها، ترميم الثراث السينمائي المصري وإعادة عرضه على منصات العرض ونقله على وسائل عرض 4K.
أخيرا أن تتولى شركة إدارة الأصول المصرية الثقافية والسينمائية تأسيس شركة للإنتاج السينمائي، تكون المهمة لها إتاحة الفرص لإنتاج سينمائي متميز يليق مكانة السينما المصرية، وبالتأكيد لاقى إعلان الخطة قبولا إعلاميا وسينمائيا جيدا ,ان طرح سؤال حول مصير الإنتاج السينمائي المصري القديم التي استولت عليه قنوات فضائية عربية، وهو السؤال الذي يطرح كثيرا كلما طرحت قضية السينما المصرية، فهناك أكثر من 300 نيجاتيف أصلي لأفلام مصرية ذهبت منذ عشرات السنين لإحدى القنوات الفضائية، ومنذ سبع سنوات كان هناك حريق في أستوديو الأهرام وقيل أنه التهم عشرات من أصول السينما المصرية ولم يحدث تحقيق عما ما نتج عنه الحريق، والسؤال للوزير قبل أن يبدأ خطته القديمة ماذا عن أصول السينما المصرية التي بيعت أو أحترقت في أستوديو الأهرام؟ ومتى يتم التحقيق عن المسؤال في كلاهما؟
أسئلة مشروعة
ليس الغرض من الأسئلة المطروحة في هذا المقال أي إعاقة لمشروع الوزير بقدر ما هو محاولة فهم ماذا دار في عقله وهو يخطط مشروعه وفكرة إغلاق الماضي بمشاكله أو مسؤولياته لا تبني مشروعا مستقبليا، السينما قبلما تكون مشروعا ورقيا هي مشروع أجتماعي في المقام الأول فتواجد دور العرض ضروري ليذهب المشاهد للفيلم المنتج فلا يعقل أن مواطنا في الأقصر لا يجد سوى دور عرض وحيدة ليذهب إليها ولا تأتي الأفلام فيها إلا في العيد، كذلك في بورسعيد مثلا دور عرض وحيدة، ولا يكفي أن تحل المباني التجارية (المولات) المشكلة، ولا يمكن أن تتهدم أكثر من 280 دار عرض سينمائي في الأسكندرية صاحبة أول عرض سينمائي مصري وعربي، ولا تسأل عن أستوديوهات الإنتاج فيها فقد كان ذلك قديما.
أن وجع قضية السينما المصرية قديم ومؤلم لا يمكن أن تحله كلمات براقة فمثلا ما تم في السنوات الأخير من انحسار الإنتاج السينمائي لشركات القطاع الخاص كارثي، فلم نعد نرى وجود لتلك الشركات التي كانت تساهم بأكثر من ثلثي إنتاج السينما المصرية في عقود القرن الماضي، ومنذ سنوات تتحكم الشركة المتحدة في كل إنتاج السينما المصرية،فضلا عن هيئة الترفية في السعودية، وهنا في مصر يهمنا سيطرة شركة واحدة على الإنتاج برأس واحد وأفكار واحدة مهما كانت كفأءة من يديرها، فإذا كان وزير الثقافة يضع الإنتاج السينمائي مرة أخرى في جعبة شركة واحدة فهل هذا مفيد لتطوير وإعادة إحياء السينما المصرية؟
المطلوب لإحياء السينما
ما هو مطلوب من وزارة الثقافة إتاحة مساحات ليعود كافة أطراف الإنتاج السينمائي إلى الحياة وأولها الشركات المعطلة، تذليل عقبات تلك العودة لها، ما ينبغي على وزير الثقافة الالتفاف إلى أهمية تسهيل إنتاج الشركات العربية والعالمية إذا احتاجوا إلى التصوير في مصر، فلا يمكن أن تكون أسعار تصاريح الأنتاج في مصر أضعافها في المفرب، وتونس، وأسبانيا مثلا، هذا جانب أخر يعطي مساحات للعاملين وشركات الأنتاج المصرية للنهضة من خلال تعاونها مع تلك الشركات، بينما تتاح فرص للعاملين في السينما ترفع من أحوالهم المادية.
فلا يعقل أن يتحول كل العاملين في السينما إلى الدراما التليفزيونية، أولا لانها لا تحتاج أكثر من 40% منهم، وثانيا لابد من فتح هذا المجال أمامهم، إذن شركة واحدة بمنطق المتحدة لا تحل حتى وأن كان يديرها نجيب محفوظ أو صلاح أبوسيف وكان يدير الشركة العامة أبان أنشائها مثل هؤلاء، فلا بد أن نبحث عن لماذا اختفت شركات الإنتاج الخاصة لتكون أيادي مساهمة في صناعة السينما المصرية ونهضتها إذ أراد الوزير.
فكرة أن يكون هناك مهرجانا متخصصا للأفلام المرممة التي تقوم الشركة بها في إطار تطوير وإحياء السينما المصرية، لا أدري ما قيمتها في وجود مهرجان عالمي للسينما في مصر وهو مهرجان القاهرة السينمائي إلا إذا كان الغرض الأكثار من المهرجانات واشتغالة إعلامية، فوجود مهرجان السينما الذي يقترب عمره من نصف قرن يغنينا عن مهرجان تخصصه الأفلام المرممة حتى لو كان عددها كبيرا جدا، يكفي أن يكون هناك قسما في مهرجان القاهرة السينمائي لتلك الأفلام.
الأفضل أن تتجه الأمور إلى تسهيل عمل شركات الإنتاج السينمائي، وإدارة الشركة المزمع إنشائها بحيث تسمح بتعدد أنهار الإبداع السينما، وإنشاء دور عرض سينمائي في المحافظات المحرومة منها، وإعادة تشغيل دور العرض المتوقفة بحوافز لأصحاب تلك الدور، وللسينما المصرية الكثير من الأوجاع قد نعرد إليها يوما تكون أوجاعنا القومية والعربية أقل مما نحن فيه الآن.
المصدر : الجزيرة مباشر نت
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق