حسن مدبولي يكتب : المسيحية الصهيونية المنبع الديني للتوحش السياسى


كثيرون، بحسن نية أو بسوئها، يختزلون الدعم الغربي العميق لإسرائيل في أسباب مادية أو استراتيجية بحتة. فيرونها قاعدة متقدمة لحماية المصالح الغربية في الشرق الأوسط، أو يروجون للأسطورة الكولونيالية القائلة بأن "فلسطين كانت أرضًا بلا شعب"، جاءت إليها جماعة مضطهدة لا أرض لها، فأقامت الدولة، وبنت الحداثة، وتطلب العيش بسلام وسط محيط "متخلف وعدائي" يرفض وجودها.

لكن ما يتغافل عنه هؤلاء — أو يتجاهلونه عمدًا — هو ذكر العامل الأكثر رسوخًا وتأثيرًا في تشكيل هذا الدعم،وهو العامل الديني العقائدي. فمنذ تأسيسها، اعتمدت الحركة الصهيونية- ولا تزال- على منظومة من الأساطير الدينية التي تلقى قبولًا شعبيًا واسعًا لدى قطاعات ضخمة من المجتمعات الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة.

فيكفي أن نُصغي إلى الخطاب السياسي الأمريكي أو الأوروبي لنجد مفردات تتكرر بلا انقطاع: عن "حق الدولة اليهودية في العيش بأمان"، و"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، "شعب الله المختار"، وغيرها من العبارات التي تنبع من قناعة دينية راسخة لدى قطاع واسع من الرأي العام الغربي، لا من منطق سياسي بارد أو تحليل جيوسياسي عقلاني.

الأخطر من ذلك أن هذا الإيمان لم يعد مجرد تعاطف ديني شكلى مع اليهود، بل تشكل عبر قرون في هيئة عقيدة اسمها "المسيحية الصهيونية".

والمسيحية الصهيونية ليست مجرد تيار هامشي، بل هي اليوم القلب النابض لعقيدة ملايين المسيحيين الإنجيليين في الغرب، خصوصًا في الولايات المتحدة، وهى عقيدة يؤمن أتباعها بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948،هو إنجاز إلهي يتمم نبوءات الكتاب المقدس، وأن تجمع اليهود في فلسطين، وتهجير الفلسطينيين، واحتلال الأرض، ووقوع الحروب، كلها مقدمات ضرورية لعودة المسيح المنتظر كملك منتصر يقيم "ملكوت الله" على الأرض.

ومن هنا، يتحول الدفاع عن إسرائيل إلى واجب ديني مقدس. فالجندي الأمريكي أو السياسي الأوروبي الذي يدعم آلة القتل الإسرائيلية لا يشعر بأنه يظلم أحدًا، بل يرى نفسه يؤدي "رسالة إلهية". وهذا التبرير الديني يزرع الثقة العمياء في النفس، ويمنح آلة الحرب "غلافًا روحيًا" يزيف الواقع ويطمس الجرائم.

والأنكى أن هذا الهوس اللاهوتي لم يعد حكرًا على الغرب، بل بدأ يمتد شرقًا، متسللًا إلى عقول الأقليات العربية،في موجة تخريفية تتجاوز حدود الدين، لتصبح إنبطاحا خيانيا مغلفًا بالقداسة.

إن من يريد فهم هذا الاصطفاف الأعمى خلف إسرائيل، عليه أن يتجاوز الحسابات الظاهرية، وينقب في عمق التكوين الديني الغربي، الذي — كما يبدو — لا يرى فلسطين ولا أهلها، بل يرى "أرض الميعاد"، ويستعجل خراب العالم على جثثنا

تعليقات