علي أبو هميلة يكتب : أنس الشريف "من غزة إلى الجنة"


المنطقة على صفيح ساخن 

ليس فقط حرارة الجو الملتهبة التي تصل درجاتها إلى حدود ربما لم تصلها من قبل في مثل هذا الصيف بل تمتد سخونة الحالة إلى نفوس أمة أصبحت عاجزة عن التطلع لمستقبل خال من الحروب والمعارك والشهداء، ما يحيطها من جوعى وعب كامل بلا مأوى ولا سكينة.

عامان من الحرب المؤلمة في هذا الوطن من غزة إلى بيروت، ومن بيروت إلى طهران، ومن طهرن إلأى عدن وصنعاء تعربد القوات الصهيونية بدعم لا محدود أمريكيا وغربيا لولا مظاهرات في بعض الدول الغربية لاستمر الدعم الأوروبي للكيان الصهيوني بلا حدود في معاركه ضد كل ما هو عربي ومسلم، والآن تقف المنطقة العربية وأقليمها المسلم سواؤ في إيران أو تركيا على حافة النار القادمة من الكيان الصهيوني بتعدد جبهاتها. 

على حدود غزة المدمرة 

يحتشد ربع مليون من جيش الاحتلال الصهيوني منذ أيام على حدود شمال غزة التي تحملت وحيدة منفردة عامين من القصف والقتل والدمار، غزة التي لم يعد فيها مكان آمن ويمكن لأي شخص أن يعيش فيه ويشعر بالأمان ليلة أو يوم يستعد جيش الاحتلال لإجتياحها والدخول أليها بعد مواقفة الكنيست الإسرائيلي على خطة رئيس وزراء العصابة الصهيونية بنيامين نتنياهو على الاجتياح، ورغم معارضة رئيس أركانه والمعارضة لهذا الاجتياح إلا أن الموافقة تمت والآن تقف حشود جيش الدفاع على بوابة غزة بصمت عربي وإسلامي غريب ومشين وخاصة بعدما وافق أغلبهم على بيان نيويورك بنزع سلاح المقاومة، فهم يريدون ذبحنا بلا مقاومة، يريد العرب أن نسلخ بلا صوت، ويتم تقسيم وتقطيع ما تبقى من جسد يقاوم في هدوء يشبه تماما هدوء بلدانهم عن التظاهر ضد حرب الإبادة. 

يتصور البعض أن استسلاما لأوهام نتنياهو والكيان الصهيوني سوف ينجيهم من مذبحة قادمة بلا شك، هذا الاستسلام الذي رأيناه من الدولة الكبرى في الأمة العربية ولم نجن نحن المصريون سوى الندم والخسارات الكثيرة، ودفعت أمة كاملة الثمن من كامب ديفيد مرورا بوداي عربة وأوسلوا، فالدم العربي يروق للصهاينة سواء كانوا مسلحين أو عزل وتاريخ مجازرهم شاهد ولا تكذب أوراق التاريخ. 

استشهاد طاقم الجزيرة 

بينما تستمر عمليات القصف الصهيوني على ما تبقى من حطام غزة المنهكة ومن قبل البدء في كتابة مقال السطح العربي الساخن وأثناءه يأتي خبر استشهاد طاقم الجزيرة في غزة أنس الشريف وخمس رفاق معه بقذيفة أمريكية الصنع وصهيونية الهدف، أنس الشريف صوت غزة المقاوم والمناضل بكاميرا وميكروفون فقط ومعه فريق الجزيرة بالكامل المراسل محمد قريقع، المصورون إبراهيم ظاهر، مؤمن عليوه والسائق محمد نوفل، في استهداف لأصوات الحرية والمقاومة على أرض غزة العاصية على الانكسار عامين ويبدو أن أمامها شهور أخرى حتى يستيقظ العالم وتستيقظ الأمة لتدرك أن قرارها التصحية بالمقاومة وسلاحها في غزة ولبنان لن يجدي سوى مزيدا من الشهداء ومزيدا من الأرض العربية لبني صهيون الذي لا يشبعون من دماء العرب. 

أنس الشريف في آخر تدوينة له يقول أن القصف لا ينقطع منذ ساعتين ونصف، أنس ورفاقه هم استكمال لقائمة طويلة من الإعلاميين تصل الآن إلى ما يقارب 238، كان ختام حياتهم من غزة إلى الجنة كما قالها أنس عندما سأل : كيفك؟ فأجاب : لن أخرج من غزة إلا إلى الجنة.

وقد نالها ويا ليتنا نلحق به كما رحل، ولكن هيهات لنا نحن العاجزون عن أي فعل، وأين نحن من أبطال غزة ورجالها؟ من يحملون السلاح أو من يسعون إلى كسرة خبز، وشربة ماء فلا يجدون سوى رصاص الجنود الصهاينة والأمريكان في انتظارهم.

 خمس أصوات إعلامية استهدفها الكيان الصهيوني حتى يمر إلى غزة ويجتاحها بلا صوت ينقل المجازر التي سوف يقترفونها أستمرارا بمجازرهم، كراهية الصهاينة للإعلاميين هي كراهية حقيقة مجازرهم وتاريخهم الأسود في المنطقة العربية، هي كراهية التاريخ المنقول على الهواء مباشرة بعدما أمصوا تاريحا طويل من الجرائم يغيرون تاريخه ويكتبونه كما يروق لهم، وقد امتلكوا وسائل الأعلام والتأريخ طويلا، الآن ليس أمامهم سوى قتل الإعلاميين بل وكل الشعب الذي أصبح ينشر جرائمهم عبر الهواتف. 

نزع سلاح المقاومة اللبنانية 

نقطة ثانية في المنطقة العربية تقف على سطح ساخن إلا وهي لبنان بعد قرار مجلس الوزراء اللبناني بسحب سلاح المقاومة اللبنانية واحتكار الدولة للسلاح، بناءا على مبادرة المبعوث الأمريكي توم باراك، وجاء قرار الحكومة اللبنانية صادما للجميع في لبنان والواقع أن هذا قرار من أخطر ما يمكن أن يمر به لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية فيها في ثمانينات القرن الماضي.

سلاح المقاومة اللبنانية لم يستخدم قط داخل لبنان، ولم تصوب رصاصة إلى لبناني بل كان ضد الصهيونية والكيان الصهيوني، ولم يشير أحد قادة حزب الله يوما إلى السلاح كونه سلاحا للداخل اللبناني ولم يستخدم الحزب قوته في أوجهها إلا ضد التدخل الصهيوني المتتالي في الأرض اللبنانية، وشاهدنا دعم المقاومة اللبنانية لغزة وأبطالها شهورا طويلة منذ بداية طوفان الأقصى حتى استشهاد كبار القادة في المقاومة على رأسهم حسن نصر الله الزعيم الأيقونة للمقاومة بل وفي الوطن العربي. 

لماذا الآن هذا القرار ولصالح من؟ خاصة من كثرة الهجمات الصهيونية على الجنوب اللبناني وعلى بيروت، نعم منذ تعرض حزب الله لضربات عنيفة ومنذ توقيع اتفاقية الهدنة والمقاومة تتمسك بالصبر على أختراقات الكيان الصهيوني للهدنة، ولكن لتترك للدولة مساحة ولتقول لهم ببساطة أن الاحتلال لن يتوقف عن الهجوم على لبنان حتى لو وقعت مئات الاتفاقيات، وأن المبعوث الأمريكي والولايات المتحدة لا تريد سوى ذبحكم في صمت. 

هجمات ضد إيران وتركيا 

من بيروت ورغم سكون جبهة إيران إلا أن المسكوت عليه كثيرا فلا تزال طهران بأسلحتها هدفا للصهاينة وخاصة الصورايخ الباليستية، والمفاعلات النووية ورغم الهدوء على السطح إلا ان الطرفين يعرفان النوايا جيدا، وتتواتر أخبار عن استعدادات في إيران وتل إبيب عن جولة قادمة تزيد من اشتعال المنطقة والأقليم، الكيان الصهيوني لم يرضى أن تكون إيران قوة إقليمية وخاصة بعد ما حدث في حرب الأسبوعين وتدمير أكثر من ثلث تل أبيب، ومنشأت عسكرية وبحثية إسرائيلية، وإيران تدرك تماما أن الكيان الصهيوني ليس خطرا على أمة العرب فقط بل على المنطقة. 

هذا الهدوء يظهر أيضا بدرجة أقل بين الكيان الصهيوني وتركيا فرغم علاقات بينهما ممتدة إلى عشرات السنين بل أن تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان إلأ أن توجهات تركيا الحديثة لا تروق لإسرائيل وخاصة تقدمها في مجال الصناعات العسكرية وتطويرها للسلاح الذي يحرز تقدما كبيرا.

 إضافة إلى الخطاب التركي في محرقة غزة ولذا فأن تركيا تتعرض لهجمات إعلامية من جانب إسرائيل منذ أسابيع، وإذا كانت تركيا وإيران تتعرضان لهجمات صهيونية إعلامية على إسطنبول، ومسلحة على طهران، تظل مصر هي الهدف الأقرب للكيان الصهيوني بخطط مؤقتة عنوانها تهجير أهل غزة ودفعهم إلى سيناء، رغم يقيني أن أهل غزة لن يتركوا الأرض بعد كل ما حدث إلأ أن الخظر على مصر سيظل قائما طالما وجدت إسرائيل.

المصدر الجزيرة مباشر نت  

تعليقات