محمد حماد يكتب : زياد من جلباب أبيه إلى أسطورته الخاصة


لم يكن زياد الرحباني مجرد ابن فيروز وعاصي، بل كان ابنًا للوجع اللبناني، وصوتًا ساخرًا في زمن الجدّ. خرج من جلباب أبيه لا لينكره، بل ليعيد تشكيله على مقاس عصرٍ يئنّ من التناقضات.

ولم يكن مجرد امتداد للرحابنة، بل كان انشقاقًا واعيًا عن المألوف، تمرّدًا ناعمًا على القالب الجاهز، وصوتًا خرج من جلباب أبيه ليخيط لنفسه عباءة من صدقٍ وسخرية ووجع.

غنّى حياته كما عاشها: بلا رتوش، بلا تصنّع، وبكل ما فيها من حبّ وخيبة، من غضبٍ وسخرية، من لحظاتٍ تشبه الناس أكثر مما تشبه النجوم. 

لم يكتب ليُعجب، بل كتب ليُزعج، ليوقظ، ليقول ما لا يُقال في زمن تحكمه المجاملات.

لم يهادن السلطة، ولم يغازل الجمهور، بل خاطبهم كما هم: متعبين، ساخرين، حالمين رغم كل شيء.

في مسرحه، كانت الطاولة الخشبية والكرسي المهترئ أبطالًا مثل الممثلين. وفي أغانيه، كانت النغمة تحتضن الكلمة كما تحتضن الأم ابنها في لحظة ولع.

لم يكن الفن عنده زينة، بل موقفًا. لم تكن الكلمة عنده ترفًا، بل سلاحًا.

أعلنها بوضوح سافر: "أنا مش كافر، بس الجوع كافر، والذل كافر، والسكوت كافر فأعاد تعريف الكفر، لا كعقيدة، بل كخذلانٍ يوميّ يعيشه الناس في ظل أنظمة لا ترى فيهم سوى أرقام.

زياد لم يطلب التصفيق، بل طلب الإصغاء. لم يغازل السلطة، بل فضحها. لم يكتب للتاريخ، بل كتب للحظة، للشارع، للناس الذين لا يجدون من يقول عنهم شيئًا.

صنع زياد أسطورته الخاصة، من صدقٍ نادر، من وجعٍ مشترك، ومن ضحكةٍ تُخفي ألف دمعة.

لكل هذا سيخلده التاريخ

تعليقات