إذا كنت تريد أن تفهم أبعاد اللحظة الحاضرة، ابدأ بمقولة الشاعر الأندلسي ابن رشيق القيرواني: "المعاصرة حجاب". فحين تقف في متحف متأملًا تفاصيل لوحة على الجدار تحتاج أحيانًا إلى الابتعاد عنها قليلًا إلى الوراء كي تراها.
وحين يسمح لك خيالك بالسفر عبر الزمن إلى الوراء ستتاح لك لحظات مثيرة من القدرة على التقمص تثير تساؤلات بعضها ممتع وبعضها الآخر مفجع.
أنا الآن في عام 1948، أتخيل نفسي مراسلًا لصحيفة مستقلة، انتهيت قبل قليل من تحقيق صحفي حول إضراب الشرطة في مصر ونزول الجيش لإدارة البلاد بينما تتفاقم جرائم اليهود في فلسطين بمساعدة الإنجليز وتغرق العواصم العربية في أناشيد الحرب.
قبل نشوبها بأيام قليلة، أجد نفسي في أريحا حيث يستعرض العاهل الأردني، الملك عبد الله، قوات بلاده المشاركة تحت لواء القيادة العامة في فاسطين، وكانت مهمتها قطع الطريق عرضًا لعزل حيفا عن تل أبيب بينما تصعد القوات المصرية عبر غزة، وتهبط القوات العراقية والسورية من الشمال.
يخطب الملك الآن في مقاتليه محمّسًا إياهم ومذكّرًا بأمجاد آبائهم وأجدادهم قبل أن يدعو إلى المنصة إمامًا ضريرًا فتح الله بصيرته فلم يكن لديه ما يقوله سوى هذه العبارة: "أيها الجيش ليتك لنا".
قالها الرجل بينما كان عن يمينه غلوب باشا الإنغليزي قائد الجيش الأردني، وعن شماله اللواء برود هيرست الإنغليزي قائد العمليات في فاسطين، في مشهد عبثي تخيل البعض أثناءه أن الإنغليز حقًا سيقودون العرب نحو وأد ربيبتهم في مهدها.
ثم أعود إلى اللحظة الحاضرة فلا أجد سوى المشهد نفسه بعبثيته نفسها مع اختلاف الأسماء والجنسية وبيانات البطاقة الشخصية.
رحم الله ذلك الشيخ الضرير صاحب البصيرة والشجاعة.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق