لم تكن تلك الصورة التي دخل بها علاء عبد الفتاح إلى منزله وأحضان أمه السيدة الفريدة ليلي سويف هي وليدة لحظة الحرية التي ولدت بعد 12عاما من القهر والظلم والسجون المتعددة، بل ولم تكن فقط نتيجة الصمود والصمود والإيمان عبر سنوات طويلة من الأحساس بالظلم، بل هي التعبير الجميل عن هذا الشاب منذ رايته للمرة الأولى بالقرب مني في مسيرة إلى مجلس الشعب في نهاية عام الثورة المصرية الأولى 2011 والتي سميت حينها بأسم جمعة تسليم السلطة، هذه الجمعة التي ذهبت فيها الحركات الثورية جميعا إلى إلى مجلس الشعب لتطالب المجلس العسكري حينها بتسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب السيد سعد الكتاتني، وقد احتتمت تلك الجمعة بمعركة من شباب الأخوان حينئذ ضد شباب الثورة ورفضوا مطالب الشباب قائلين أن السلطة في أيدي أمينة حسب ظنهم، يومها كانت المرة الأولى التي رأيت فيها عبد الفتاح بالقرب مني وهو يقود المظاهرة بنفس طريقة دخوله إلى منزله أول أمس عندما أفرج عنه.
جذور ثابتة ونضال مستمر
هذه الطريقة الراقصة في الدخول لا تليق إلا بحفيد العالم الكبير مصطفي سويف أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة ورئيس الجمعية المصرية للدراسات النفسية، ومؤسس أكاديمية الفنون المصرية، وأستاذة الترجمة الإنجليزية، ورئيس قسم اللغة الإنجليزية بكلية الأداب جامعة القاهرة فاطمة موسى، أبن الراجل الذي عاش حياته مضحيا من أجل حقوق الأنسان وحريته ومدافعا عن أي مظلوم في السجون المصرية أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح.
علاء هو أبن الأم العظيمة ليلي سويف تلك التي كلما تذكرت مسيرتها منذ أيام الثورة الأولى وخلال عامين للثورة لا يمكن نسيان أنني في كل لحظة كنت أريد أن أقبل رأسها، لم تكن المرة الأولى التي رأيتها فيها فقد تصادفنا مرتين قبل ذلك في مقابلات تليفزيونية في حلقات عن والدها مصطفي سويف والرائدة فاطمة موسي بالقناة الثقافية، ولكن أتذكر لها مشوارا طويلا معي إلى العباسية سيرا على الأقدام في أحدى مظاهرات أيام الثورة، سيدة في منتصف الستينات تسير من التحرير إلى العباسية كما الشباب.
أنها ليلي سويف صاحبة أطول فترة إضراب عن الطعام للمطالبة بالإفراج عن أبنها (ضناها كما يقولها المصريون) أنها السيدة التي نامت أمام السجن أسبوعا أو أكثر من أجل أن تتلقى خطابا من رجلها الوحيد في العالم لتطمئن عليه بعد أن حرمت من خطاباته ورؤيته، ويومها طتبت هنا عن تلك الصورة التي ذاعت لها وهي نائمة أمام بوابة السجن بصحبة إبنتيها سناء ومنى، وأتذكر أنني قلت أن لو ذهبت كل الأمهات والزوجات وأبناء المعتقلين مع ليلي سويف لخرجوا جميعا ولكن ليس جميعنا ليلي سويف، كما أنه ليس جميعا علاء عبد الفتاح، قلت ذلك أيضا في إضراب ليلي وبقائها بين الحياة والموت بعد إضراب أقترب من 290 يوما عاشت فيهم متنقلة بين القاهرة ولندن، ووصلت إلى حافة الموت،
معنى العائلة والصمود الإنساني
لقد علمت ليلي سويف كل الأمهات وعلمتنا نحن الرجال كيف يكون الدفاع عن مظلوم لكنها فريدة في نضالها الطويل منذ شبابها، ولم تكن ليلي وحيدة بل كان يسندها جبلان، نعم جبلان في صورة بنتين هما أشد صمودا وشجاعة من الكثير، تعرضت أصغرهما سناء للسجن ولم تتزحزح عن موقفها، قبض عليها أمام دار القضاء العالي ولم تتردد في الدفاع عن أخوها ما أجمل سناء ومنى عندما ينطقان أو يكتبان كلمة (أخويا) في حواراتهم أو في منشوراتهم على التواصل الاجتماعي.
أتذكر صورة سناء وهي تمضي وحيدة إلى ميدان التحرير في ذكرى ثورة يناير وهي ترتدي قميصا مكتوب عليه (لساها ثورة يناير) يومها تمنيت لو أننا جميعا كنا سناء سيف، كما نتذكر جميعا وقوفها أمام مبنى رئيس الوزارء في لندن والخارجية الإنجليزية، والسفارة المصرية مع أمها، وأختها منى، وخالد أبن علاء وهي تطالب بالإفراج عن أخيها، وعندما جاءت شرم الشيخ لتتحدث عن الظلم الواقع على علاء، لم تكن سناء تبحث عن دعم من جهة ما بل كانت تسعي بصبر وصمود لخروج شاب أكمل سنوات حبسه ولم يخرج بعد.
ثلاثية ليلي، منى، سناء صعب أن تجدها في عائلة مصرية ثلاث جبال من الصبر والصمود، ثلاث سيدات لم تيأس يوما، لم تنسى يوما أن هناك محبوسا مظلوما، في أحيان كثيرة كانوا يقولون يأسا "خرجوه سنأخذه ونخرج) وكنا على يقين أن تلك الرباعية ليست ممن تنسى الوطن أو تخرج منه، فالوطن يعيش في دماء آل سيف جميعا من الجد إلى الحفيد، أو هكذا أتصوره منذ أول لقاء لي مع ليلي سويف في منزلها، ومنذ أن شاهدت علاء في تلك المظاهرة أو المسيرة إلى مجلس الشعب المصري، ولا أخفيكم سرا كنت أحيانا في تلك الإيام أجد فيه شططا، كما كنت أرى هذا الشطط في أحمد دومة ولكن بعد سنوات الثورة وبعد 15 عاما منها أقول أنهم كانوا أكثر وعيا منا جميعا.
لماذا لا يترك ويذهب؟
أحيانا كنت أتساءل : ما الذي يجعل شابا ناجحا يعيش في جنوب إفريقيا مهندسا ناجحا للبرمجيات أن يأتي إلى مصر وهو يعلم أنه سيحاكم؟ لقد جاء علاء عبد الفتاح من حياة مستقرة وناجحة في عام 2010 وهو يعلم أنه سيحاكم ويدرك أن هناك تربصا به، فلماذا جاء وترك نجاحه واستقراره؟ سؤال أحيانا كنت أساله عن محمد البرادعي زلماذا يعرضان أنفسهما لكل هذا الهجوم والقذف والسب، الواقع أن علاء أثبت صلابة أكثر من اللبيرالي العجوز محمد البرادعي.
عاش علاء يحلم بوطن يحتويه وعائلته وتعرض لما لم يتعرض له أحد سجن خمس سنوات بتهم مثل نشر أخبار كاذبة، خرج ليتم وضعه تحت المراقبة وكان يقضي لياليه في أقسام البوليسن ثم عاد وحكم عليه مرة أخرى خمس سنوات، قضاها صابرا ومحتسبا، وقضتها ليلي سويف والأبنتان على بوابات السجون والأقسام.
انتهت السنوات الخمس الثانية في سبتمبر الماضي ليخرج علاء بعدها بعام قضت أغلبه أمه في إضراب عن الطعام، وفي دعوات لخروج علاء، خرج علاء قويا باسما راقصا كأنه هذا الشباب الذي كان يتقافز في مقدمة مسيرة تسليم السلطة وهو يهتف "بالصوت والكعب .. السلطة للشعب" كم ظلم علاء وشباب يناير وكم تم تشويههم، وكم حرض عليهم، ولكنه لم يهزم وخرج واقفا صامدا كما عودته الأم بمعناها الحقيقي ليلي سويف، والأخوة في أسمى معانيها متمثلة في مني سيف، وسناء سيف، أنها حقا عائلة سيف، وعائلة مصطفي سويف.

تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق