يسري فوده يكتب : ملحوظة للتسجيل


مما نعرفه من تاريخهم معًا، لم تلتق أجندة أبرز الأنظمة العربية مع أجندة الصهاينة بصورة واضحة وضوح الشمس على هدف بعينه كما تلتقي الآن في غزة. لكن ثمة فارقًا جوهريًا بين الطرفين يستدعي الانتباه.

باستثناء عنصريتهم المنحطة في الأراضي المحتلة، يندر أن تجد الصهاينة يستهدفون أحدًا لمجرد الهوية أو الدين أو المذهب أو الموقع أو غيرها من معايير. معيار الاستهداف لديهم يكمن في معظم الحالات فقط في تقرير ما إذا كانت لديك إرادة وقدرة على الوقوف في طريقهم، أو على تهديد مطامعهم، أو على المقاومة، أيًّا من كنت.

فعلوها طوال تاريخهم فاستهدفوا شيوعيين واشتراكيين ويساريين وقوميين وعلمانيين وليبراليين وكافة الأطياف. مثلما استهدفوا علماء ومهندسين ومخترعين ومفكرين وغيرهم ممن لا يهمهم خلفياتهم ولا قناعاتهم سوى أنهم وقفوا في طريقهم. بل إنهم استهدفوا الإنغليز أنفسهم الذين أتوا بهم أصلًا إلى ديارنا عندما تلكأ هؤلاء في الإسراع بوتيرة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ويستهدفون الآن دولًا ومؤسساتٍ ورموزًا غربية لأنها تقف في طريقهم. 

فقط يتصادف هذه المرة أن من يقف في طريقهم في غزة إسلاميون. مجرد صدفة لا تعني الكثير من وجهة نظرهم إلا فيما يتعلق بالمعيار أو بأسلوب العمل modus operandi الذي اعتمدوه لأنفسهم من بدايتهم حتى اليوم. وأظن أنهم سيتمتعون بعد غزة وما يليها من مراحل إبراهيمية وغير إبراهيمية برفاهية توسيع المعيار والأسلوب، فقط لأن أحدًا من ولاة الأمور لن يقف في طريقهم.

أما أجندة تلك الأنظمة العربية في غزة فهي أجندة شخصية بحتة تقترب من الحرص على حماية أمن العروش والقصور من مجرد فكرة المقاومة، فما بالك أنها مقاومة إسلامية اسمًا وفعلًا -  بقدر ابتعادها عن الحرص على حماية الأمن القومي الحقيقي للدول والشعوب. هذا طريق لا يؤدي في النهاية إلا إلى ميدان واحد يتحول فيه كل حاكم عربي إلى ما هو أدنى في نظرهم من محمود عباس آخر.

تعليقات