لم يكن السابع من أكتوبر 2023 حدثًا معزولًا عن سياقه، بل كان امتدادًا لتاريخ طويل من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية. فما جرى في ذلك اليوم لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة طبيعية لتراكمات متواصلة من القهر والعدوان.
لقد سبقت ذلك اليوم محطات مفصلية، كان أبرزها السياسة الأمريكية المنحازة، إذ منح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني (6 ديسمبر 2017)، في قرار مثّل ذروة الاستخفاف بالحقوق الفلسطينية والعربية، وكأنما يوزّع إرثًا عائليًا يخصه. تبع القرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس (14 مايو 2018)، ثم لحقت بها بعض الدول المتماهية مع المشروع الصهيوني. ومعها بدأ ما يمكن وصفه بـ"الانبطاح العربي الإسلامي – في نسخته الثانية"، عبر موجة التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، في إطار ما عُرف بـ"اتفاقيات أبراهام" (2020). وكان الهدف النهائي المعلن – وفق تصريحات نتنياهو – جرّ السعودية والدول الاسلامية الكبرى إلى هذا المسار دون أي مقابل سوى الرضا الصهيو–أمريكي عن الأنظمة الحاكمة.
ولو استمر هذا المسار دون السابع من أكتوبر، لكان المخطط الصهيو–أمريكي اكتمل، ولربما طويت صفحة القضية الفلسطينية إلى الأبد. لكن الاستفزازات لم تتوقف، بل تضاعفت حتى صارت قدرًا جاثمًا، ينذر بالانفجار الذى وقع فى السابع من إكتوبر ،، .
اقتحامات الأقصى (مايو 2021)
في 7 مايو 2021 (25 رمضان 1442هـ)، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى واعتدت على المصلين والمعتكفين في العشر الأواخر من رمضان، ما أسفر عن إصابة واعتقال المئات. تكررت الاعتداءات يوم 10 مايو (28 رمضان)، واستشهد سبعة فلسطينيين على الأقل وأصيب المئات. ومع ذلك، التزمت سلطة رام الله الصمت، كما تجاهلت الدول العربية والغرب هذه الجريمة.
لكن المقاومة لم تصمت. ففي مساء 10 مايو 2021، أعلن محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، إنذارًا للاحتلال بضرورة وقف الاعتداء على الأقصى ورفع الحصار عن حي الشيخ جراح. ولما لم يستجب الاحتلال، اندلعت معركة "سيف القدس" (10 – 21 مايو 2021)، التي خاضتها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وفصائل أخرى. أسفرت المعركة عن استشهاد أكثر من 260 فلسطينيًا، بينهم عشرات النساء والأطفال، مقابل مقتل 13 إسرائيليًا. انتهت المواجهة بهدنة بوساطة مصرية بعد انسحاب قوات الاحتلال من الأقصى والشيخ جراح.
اغتيالات متكررة (2022 – 2023)
لم تتوقف سياسة الاغتيالات التي دأب الاحتلال على تنفيذها منذ عقود، بدءًا من يحيى عياش (1996) وبلغت الذروة باغتيال الشيخ أحمد ياسين (2004) والدكتور عبد العزيز الرنتيسي (2004)، وصلاح شحادة (2002) وأحمد الجعبري (2012).
و استمرت الجرائم حتى أغسطس 2022، عندما قصفت طائرة إسرائيلية مسيرة شقة سكنية في "برج فلسطين" بحي الرمال – غزة، واغتالت القيادي تيسير الجعبري، قائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس (الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي). في ظل توتر متصاعد بعد اعتقال القيادي بسام السعدي في جنين (1 أغسطس 2022). وقد أدى ذلك العدوان إلى استشهاد أكثر من 44 فلسطينيًا، بينهم أطفال ونساء، خلال أيام قليلة.
ثم تكررت الاعتداءات في رمضان التالي، إذ اقتحمت قوات الاحتلال المسجد الأقصى مجددًا يوم 5 أبريل 2023 (14 رمضان 1444هـ)، واعتدت بوحشية على المعتكفين داخله، ومنعت الاعتكاف، في سابقة خطيرة تعكس تغوّل حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
الطوفان (7 أكتوبر 2023)
نتيجة هذا التراكم الطويل من الاعتداءات والاغتيالات والتدنيس للمقدسات الإسلامية، أعلنت المقاومة الفلسطينية – عبر القائد العام محمد الضيف – بدء عملية "طوفان الأقصى" صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023 (22 ربيع الأول 1445هـ).
كانت العملية ردًا مباشرًا على جرائم الاحتلال في الأقصى والضفة وغزة، ورسالة إلى العالم بأن محاولات تصفية القضية الفلسطينية عبر التطبيع أو تجاهل جرائم الاحتلال لن تمر. لقد كان الطوفان – بكل ما حمله من مفاجآت عسكرية وسياسية – نقطة تحوّل كبرى أربكت المشروع الصهيوني، وأوقفت اندفاع بعض العواصم العربية نحو التطبيع المجاني. بل انقلبت الآية وبدأت الدول الكبرى تعترف بالدولة الفلسطينية ، وتقر بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، وانتهت قدسية السردية الصهيونية المزيفة المتدثرة بغطاء دينى فاشى، وانكشفت أمام معظم شعوب العالم ،،،
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق