علي أبو هميلة يكتب : الحكيم بيجوفيتش في دراما تركية


يتحمس الطالب الجامعي علي طونا صاحب النشاط الجامعي الأدبي ويصدر مجلة جامعية في جامعة إسطنبول في أوائل التسعينات إلى المقاومة البوسنية ضد الصرب واليوغوسلاف خلال الحرب الدائرة لمدة خمس سنوات وعرفت باسم حرب البوسنة والهرسك، والتي شهدت مجازر للمسلمين كان إشهرها مجزرة سربرنيتسا وهي أكبر مذبحة عرفتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وخلفت 8372 شهيدا من المسلمين، ويقود علي مع مجموعة من رفاقه في الجامعة حملة لجمع التبرعات لضحايا الحرب على المسلمين، بل أكثر يقود عملية للأستيلاء على صفقة أسلحة يقوم بها رجال المافيا لمساعدة الصرب وإرسالها إلى المقاومة البوسنية، ويتقدم أحد أصدقائه للمشاركة في الحرب، ويصبح علي بالنسبة للبوسنيين بطلا شعبيا، ويشجعه ذلك على دعوة الرئيس البوسني على عزت بيجوفيتش لزيارة الجامعة في إسطنبول ولقاء طلبة الجامعة الذين يتشوقون للقاء الرئيس الحكيم. 

عمل لم يكتمل 

هذه المشاهد جاءت ضمن أحداث مسلسل كان يا ما كان في إسطنبول الذي عرض الموسم الماضي  وبدأ في فبراير/ شباط الماضي واكتملت حلقاته 16 حلقة تليفزيونية، وهو من إنتاج التليفزيون التركي الرسمي وهو من المسلسلات التي لم تحظى بنسبة مشاهدة عالية مما أدي إلى اضطرار المؤلف والمخرج إلى انهاء حلقاته مبكرا جدا.

 رغم أن المسلسل يتعرض لفترة لم يتم تقديمها كثيرا من خلال الدراما التليفزيونية في تاريخ تركية وهي الفترة التي مهدت لظهور حرب الرفاة الإسلامي وزعيمه أحد رواد الحركة الإسلامية في تركيا ورئيس وزراءها نجم الدين أربكان والذي يعتبره حزب العدالة والتنمية أحد أباءه الروحيين، وفي العمل الدرامي تبدو ملامح ظهور الحركة الإسلامية بين طلاب الجامعة والمجتمع بصفة عامة، كما يتعرض المسلسل لصراع رجال المافيا مع أبناء الدولة من المخلصين أو من يسمون بالدولة العميقة أو كما قيل في المسلسل أصحاب الدولة والسر.

بيجو فيتش في الجامعة

جاء تناول العمل للمقاومة البوسنية وحركة الطلاب والمجتمع لدعم المسلمين أيضا في أول إشارة اشاهدها في الدراما التركية، ويبدو في عقل المؤلف أن يضع المقاومة البوسنية كموازي للمقاومة في غزة، ومن ثم يكثف من مشاهد المقاومة على أرض البوسنة ولكن سرعة أنهاء الحلقات لم تتح له الفرصة لذلك، ولكن توصيفه لعلي عزت بيجوفيتش في العمل كان يدل على إشارات ثانية في غزة فيقول على لسان رجل الدولة العميقة " علي عزت أنه ليس رجل دولة بل هو نداء لحضارة بأكملها، سجن لأجل افكاره سنوات وألف الكتب، ودافع عن وطنه بشجاعة حين أحتاجه وفي دمه تسكن روح هذه الأرض" يترآى أمامي حينما تذكر هذه الكلمات صورة القائد الشهيد يحيى السنوار.

حين يضع المؤلف كلمات بلسان علي عزت الرئيس الحكيم والفيلسوف الذي يتمتع بشعبية هائلة كمفكر إسلامي بين الشعوب الإسلامية، ويتمتع بمكانة كبيرة لدى الأتراك والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول على لسان الشخصية الدرامية التي مثلته "الأرض لا تحمى بالدبابات بل بالدعاء والإيمان، والأخلاق، وأن كان نبض الأمة نابضا فلا جيش يمكنه هزيمتها، هذه القضية ليست قضية البوسنة، بل قضية المسلمين، المظلومين، الصامتين، والمقموعين"  ترى أليس في ذلك تطابق تام مع قضية المقاومة الفلسطينية ورجالها في غزة. 

أسطنبول أوائل التسعينات 

علي طونا البطل هو أبن لأحد رجال اصحاب الدولة أو رجال السر، وفي جملة رجال السر نجد ذلك في كل الأعمال التاريخية التركية فهم أصحاب اللحى البيضاء في مسلسلات أرطغول، المؤسس عثمان، ويونس إيمره وغيرها من المسلسلات وأعتقد أنه يقصد رجال الدولة العميقة هؤلاء الذين يحافظون على الدولة مهما كان حاكمها، ويبدأ مسلسل كان يا ماكان في إسطنبول بمشهد على طفلا  مع والده الذي يتعرض لعملية أغتيال من رجال المافيا، تربي والده علي وأخواته بعيدا عن المشاكل وبعيدا عن السياسة، ولكن علي وشقيقه الأكبر يتمتعان برجولة وكرامة تجعلهم أقرب إلى الناس، ويكون علي وأصدقاءه في الجامعة حركة أدبية ينشرون في مجلتها أبداعهم الأدبي والشعري الذي يبدعه علي ورفاقه، ومن الجامعة يتحركون بين الناس في الإحياء والشوارع، وأيضا يتفاعلون مع مشاكل الطلبة ومشاكل بلادهم. 

يتعرض العمل الدرامي لحال إسطنبول في تلك الفترة فنجد أحوال الأحياء في إسطنبول التي لا تصلها المياة النقية للشرب والاستعمال الشخصي، انقطاع الكهرباء كثيرا، حالة الفقر الشديدة بين السكان، كل هذا كان يمهد لظهور الحزب الذي يقود تركيا منذ 2002 حتى الآن، بل أن المخرج والمؤلف عرض للفكرة التي اسس عليها حزب العدالة والتنمية من خلال علي ورفاقه، فقد جلسوا في الأحياء بين الناس ليكتبوا مطالبهم وماذا يريدون من الحكومة التي تدير شئون بلادهم، وهي نفس الفكرة التي قام بها أبناء العدالة والتنمية عند تأسيس الحزب، وعندما يتحرك علي بهذا الكيفية نجد أن أصحاب الدولة يعرفونه جيدا ويراقبونه منذ طفولته بصفته أحد أبناء رجلهم الذي اغتيل، ويقومون بتجنيد على لصالحهم في حربهم ضد رجال المافيا والذين يتعاملون مع جهات أجنبية أوروبية وعلى رأسها المخابرات اليونانية. 

رجال المافيا والمخابرات المعادية 

يحاول رجال المافيا الحصول على معلومات عن الصناعات الدفاعية التركية والطائرات التركية خاصة F16 عن طريق المهندسين المختصين بعملية التطوير، وتلك المعلومات التي تطلبها المخابرات اليونانية والأوروبية، ويستطيع على بمساعدة زميلته في الجامعة (سحر) التي تدرس الإعلام وتربطهما علاقة حب الوصول إلى المهندسين المرتشين الذين سربوا تصميمات الطائرات،ن وسحر هي أبنة مدير الشرطة الذي يرتبط بمصالح مع رجال المافيا الذين يتاجرون في السلاح، وتشيين والد سحر يعمل معهم ويجعل ضباط من الشركة في خدمتهم، ويقود علي ورفاقه ومعهم سحر بمساعدة أصحاب الدولة بعديد من المغامرات من أجل القضاء علي رجال المافيا الين يتعاونون مع الدولة المعادية. 

خطوط درامية متعددة كانت تبشر بعمل طويل المدى خاصة أن الفترة جديدة على المشاهد التركي، أيضا ظهور الجانب السياسي بوضوح في الصراع بين أصحاب الدولة ورجال المافيا والفاسدين في جهاز الدولة، خط المقاومة البوسنية، ورجلها الأول على عزت بيجوفيتش، الحركة الطلابية في الجامعة، والجانب الإبداعي لهؤلاء الطلبة، أيضا تشكيلهم الذي يشابه السمامواري السبعة في دعم الحق والخير والجمال، كل هذه مع ظروف إسطنبول في تلك الفترة كانت تنبأ بعمل طويل المدى ولكن كان للجمهور رأي أخر فتم أنهاء العمل بسرعة وفي منتصف أحداثه، واستطاع المؤلف والمخرج أن ينهوا أحداثه في تصوري قبل أن تبدأ. 

المصدر : الجزيرة مباشر نت 

تعليقات