بين دماء أطفال غزة وأنقاض البيوت المدمرة، يطلّ الاعتراف الدولي بدولة فلسطين كعلامة فارقة، تحمل في طياتها معنى الانتصار رغم الجراح النازفة. إنه ليس خاتمة الطريق، بل بداية جديدة تُعيد فلسطين إلى الخريطة والواجهة، وتؤكد أن الحق لا يموت مهما طال الزمن أو اشتد الحصار أو استبد الألم .
فالاعتراف بدولة فلسطين من قِبل دول كبرى ليس إجراءًا بروتوكوليًا ولا منّةً من أحد، بل هو ثمرة عقود من النضال الأسطوري لشعب لم يعرف الاستسلام.
صحيح أن ذلك الاعتراف لا يعيد الأرض كاملة من النهر إلى البحر، ولا حتى يمنع تغول العدو على ماتبقى منها، لكنه يحمل وزنًا سياسيًا وأخلاقيًا هائلًا، يكسر به غطرسة الاحتلال، ويثبت للعالم أن فلسطين ليست طيّ النسيان، بل حاضرة بقوة في القانون الدولي والوجدان الإنساني.
كما إنه يمثل شهادة تاريخية دامغة على بطلان الرواية الصهيونية التي حاولت، منذ النكبة، إقناع العالم بأن "إسرائيل" كيان طبيعي، وأن الفلسطينيين مجرد لاجئين بلا وطن.
وحين تعترف دول كبرى بفلسطين، فهي تعلن بوضوح أن هناك شعب صاحب حق، وهناك وطن مسلوب، وهناك احتلال لا بد أن يُدان،
وهذا كله يمثل رصيدا استراتيجيا للأجيال القادمة، وسلاحا سياسيا وقانونيا يُضاف إلى رصيد الدماء والتضحيات التى ينبغى أن تستمر بلا توقف أو تراجع حتى النصر ،
المؤسف أن بعض الأصوات المزايدة تهاجم الاعترافات الدولية المتتالية باعتبارها تنازلات، وتُلوّح فى المقابل بالشعارات المطلقة في توقيت لا يخدم إلا العدو.متجاهلة أن السياسة مسار طويل من التراكمات، و أن الاعترافات الدولية لا تُلغي الحق التاريخي، بل ترسّخه وتثبّته على أرض الواقع.
إن رفض الإعتراف الدولى أو التهوين من شأنه تحت شعارات ودعاوى ثورية أو جهادية،يضعف الموقف الفلسطيني ويمنح الاحتلال ذريعة أمام المجتمع الدولى يدّعي من خلالها أن الفلسطينيين هم من يرفضون الحلول.
كما أن الاعتراف الدولى ليس مجرد نصوص واعلانات جامدة، بل إنه صدى لصوت الضمير الإنساني الذي هزّته صور الأطفال الشهداء تحت الركام، ودموع الأمهات الثكالى، والدماء البريئة التي صبغت تراب غزة. وبالتالى فكل اعتراف جديد بدولة فلسطين هو إقرار بأن تلك التضحيات لم تذهب سدى، وأن تلك الصرخات اخترقت جدار الصمت.
فلنتمسّك بحقنا التاريخي في فلسطين كاملة، من النهر إلى البحر، ولنفرح في الوقت ذاته بكل خطوة تقترب بنا من هذا الحلم. فالأمم التي تناضل بذكاء تدرك أن تراكم المكاسب المرحلية هو الطريق الحتمي نحو النصر الكبير.
وما دامت فلسطين حاضرة في الضمير الإنساني، فإن لحظة الخلاص، مهما تأخرت، قادمة لا محالة.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق