لم يعد لدى المشككين في الشراكة الأمريكية في العدوان على غزة، وإصرار الولايات المتحدة على إبادة الشعب العربي والمسلم في غزة وفلسطين عامة أي شكوك بعدما أرتفعت يد المندوب الأمريكي الأثمة في مجلس الأمن وللمرة السادسة منذ بدء العدوان على غزة ضد قرارا بوقف العدوان، بل لم يقتصر الفيتو اللعين على فقط إيقاف وتعطيل قرار المجلس بوقف حرب الإبادة أنما أمتد لقرار الإعتراف بدولة فلسطين لتؤكد اليد المغموسة في دمائنا العربية للمندوبة الأمريكية أنها ليست فقط متحالفة في الإبادة بل شريكة في التفكير النتنياهوي في ما يسميه دولة إسرائيل الكبرى.
لماذا الإصرار على الشراكة؟
قد يتسائل بعض العقلاء عن السر وراء هذا العداء الأمريكي لكل ما هو عربي ومسلم؟ فكلما وجدت معركة كان من نتائجها العدوان على دولة عربية أو إسلامية كانت أمريكا شريكا بها، ولم يقتصر هذا على الحرب الدائرة منذ عامين على أرض غزة بل أمتدت إلى لبنان، اليمن، خلال العامين الماضيين، وسابقا في العراق التي احتلتها الولايات المتحدة عسكريا في وقت لم يعد للاحتلال العسكري مكانا في العالم، ومن قبل كانت يد الولايات المتحدة شريكة في الحرب العراقية الإيرانية، وفي توازي مع ماحدث في أفعانستان حينما أدعت الولايات المتحدة أنها تحارب الشيوعية (الأتحاد السوفيتيي) ولكنها أيضا احتلت أفغانستان، بل وفي الحرب القصيرة الأخيرة بين باكستان والهند كانت أيادي الأمريكان والدولة الصهيونية ضد باكستان المسلمة، فضلا عن عدوانها على إيران في حرب ال 12 يوما بين إيران والكيان الصهيوني.
يصر دونالد ترامب منذ وصوله إلى حكم الولايات المتحدة الإمريكية في دورة رئاسة الثانية ليس على تحالفة مع الكيان الصهيوني، بل على الشراكة الدموية في العدوان منذ إعلانه عن ما يسمى بصفقة القرن في الولاية الأولى إلى إعلانه عن مشروعه في تهجير أهل غزة وبناء ما سماه ريفيرا غزة التي تحدثت بعص الصحف العبرية مؤخرا عن كونها استثمارات أمريكية سيكون من بين وحداتها منازل لضباط الجيش الصهيوني، الغريب في هذا الموقف الترامبي أنه لم يجد منذ صعوده السياسي وتوليه حكم أمريكا إلأ كل دعم عربي حتى في أصعب مواقفه السياسية.
العرب جمعيا وقفوا بجوار ترامب سياسيا واقتصاديا، بل هناك ما يتردد عن دعم كامل مادي في حملته الانتخابية سواء في الدورة الأولى أو الثانية، بل أن رحلة ترامب الإخيرة في المنطقة عاد باستثمارات قدرت قيمتها بحمسة ترليون دولار وهو مبلغا لو تعلمون عظيما وكان كفيلا بتحول المنطقة العربية إلى ريفيرا عربية!
فلماذا يعاملنا ترامب بهذه الطريقة المهينة في عدم أحترام أي حقوق عربية؟ وهل يجب علينا أن نعيد التفكير في أن الولايات المتحدة تكن عداءا طبيعيا لكل ما هو عربي وإسلامي منذ أن أصبحت سيدة العالم مع تفكك الاتحاد السوفيتي، أو منذ نهاية الأمبراطوريتان الفرنسية والبريطانية في منتصف القرن الماضي؟ هل نعيد التفكير في مفاهيم الوحدة العربية والإسلامية التي شاركنا بعلم أو بغير علم في تدميرها منذ بداية القرن العشرين حتى الأن؟
ترامب رجل السلام والمخلص!
يصر ترامب على أنه رجل سلام العالم، وأنه سيوقف الحروب في العالم ومع ذلك لا تتوقف الولايات المتحدة عن رفع يدها الإثمة في مجلس الأمن ضد قرارات متتالية بوقف العدوان على غزة، وإحلال السلام الذي يدعيه في المنطقة العربية، بل أن مصانع السلاح الأمريكي لا تتوقف عن دعم وإمداد الكيان الصهيوني بكل ما يحتاجه جيش الاحتلال لتدمير الأرض العربية في فلسطين، وبلغت فيما شاهدنا الأسبوع الماضي من حضور وزير الخارجية الأمريكي لافتتاح نتنياهو نفقين في المدنية القديمة في القدس وهي ما تسمى بالمدنية العربية، وصلاته أمام حائط البراق أو ما يسميه الصهاينة حائط المبكى قمة الاستهانة بكل ماهو عربي وإسلامي، ليخرج بعدها نتنياهو في مؤتمر صحفي ليقول "القدس مدينتنا وعاصمة دولتنا، ولا أحد سيقف أمام دولة إسرائيل الكبرى"
يعتقد ترامب أنه المسيح المخلص للعالم، وأنه سيقود العالم المسيحي الصهيوني إلى سيادة العالم وإحلال العدل والسلام الصهيوني إليه، وهو ما يعني ببساطة القضاء على الدين الإسلامي والانتصار عليه، وفي خزعبلات ترامب الدينية منذ أن ظهر في البيت الأبيض وهو يحمل الإنجيل في حادثة فريدة لرئيس أمريكي ضرورة القضاء على الأرض العربية والإستيلاء على ثرواتها وكما قال ذات مرة أنهم يملكون ثروات ضخمة فليدفعوا، وكما هدد ذات مرة بتدبير أنقلابات عليهم وأدعي أنه يحمي سلطانهم، فهل أفاق العرب من حلم الحماية الأمريكية؟
هل تنبه العرب والمسلمون؟
حركة المنطقة العربية خاصة بعد ما حدث في الدوحة منذ أيام من محاولة اغتيال الوفد الفلسطيني المفاوض في عملية الاتفاق على وقف حرب الإبادة على غزة وهو الذي ضم كل قيادات حماس وفصائل المقاومة وإدي إلى استشهاد خمسة من المرافقين، وأحد رجال الشرطة القطريين يبدو أنه كان جرس إنذار للحكومات والأنظمة العربية والإسلامية فبدا أن هناك حركة جديدة في المنظقة عربيا وإسلاميا، وكانت أولى بشائر الإفاقة هذا الاتفاق السعودي الباكستاني في مجال الدفاع والتسليح، والمعروف أن باكستان هو الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا.
باكستان أيضا الدولة الوحيدة التي طالبت مع تركيا في القمة الإسلامية العربية التي عقدت في أعقاب قصف الدوحة إلى تشكيل قوة إسلامية عربية لمواجهة العدوان الإسرائيلي الأمريكي، وباكستان أيضا وقفت مع إيران في عدوان الكيان الصهيوني وأمريكا علي إيران في الحرب الأخيرة منذ شهور، فهل يكون الاتفاق السعودي/الباكستاني بداية إفاقة عربية إسلامية؟ نتمني!
بعد ما حدث في الدوحة بدات مصر وتركيا خطوات أكثر تعاونا بينهما في مجالات متعددة وهي الخطوات التي لابد أن يثمنها أي عربي ومسلم فالشراكة المصرية التركية في أي مجال هو طبيعة تفرضها تاريخ كبير مشترك بين مصر وتركيا، وياحبذا لو كانت إيران ضلعا ثالثا في هذا التعاون، فهذه القوى الثلاثة وتكاملها جديرا بإعادة الاعتبار لميزان القوى العالمية والإسلامية، ويا حبذا أكثر لو كانت باكستان واحدة من تلك العلمية التكاملية، فلا يجب أن يكون هناك إي جفاء أو صراع بين تلك الأضلاع الأربعة للأمة العربية والإسلامية.
مصر وتركيا تكامل محمود
أن عودة مناورات الصداقة البحرية والجوية بين القوات المسلحة المصرية والتركية بعد توقف سنوات هي إشارة طيبة وجديرة بالتحية، خاصة أن هذه المناورات وهذا التعاون يأتي في ظل تواجد أسطول الصمود المسافر إلى غزة لكسر الحصار الممتد عامين عليها، كما أنه يأتي في وقت تصاعدت فيها الحملات الصهيونية الإعلامية على كلا البلدين، فشاهدنا الكثير من الهجوم الصهيوني الإعلامي، ومن جانب نتنياهو على مصر وتركيا، وأن كانت مصر تركت الرد لبعض الإعلامين ووزير الخارجية، فأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه قد قام بالرد على نتنياهو وخاصة فيما تعلق بالقدس التي قال عنها أردوغان أنها أرض مسلمة وهي أرضنا ولن نفرط في جبة تراب منها ولن نتركها، وإشارة الرئيس التركي إلى تاريخ القدس عربيا وإسلاميا بل وخلال حكمها في ظل الخلافة العثمانية.
أن ثمة إفاقة عربية وإسلامية تقول أن هذا الاعتماد الطويل على الولايات المتحدة في حماية أي حقوق عربية هو مجرد وهم في عقول بعض العرب والمسلمين، وأن الولايات المتحدة عندما تجد مصالحها السياسية والاقتصادية في تدمير المدن العربية، وسفك دماء العرب والمسلمين لن تتردد في التدمير والقتل، وأن تاريخا طويلا لها كانت مشاركة في كل الحروب التي دمرت الأمة العربية والإسلامية، لذا فإن ما يحدث بين الدول العربية والإسلامية هذه الأيام ربما يكون مبشرا لكثير من الأمل لهذه الأمة لو خلصت النوايا، وأدرك العقل العربي والإسلامي أنه لا طريق بدون وحدة الأمة عربية وإسلامية، فأدعوا معي لتكون النوايا لصالح الأمة.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليق